تابعوا صفحتنا على facebook

منارة التذوق

الأحد، 28 مارس 2010

مؤتمر الدكتورمحمد زكي العشماوي الخامس .









عقد قصر التذوق في يوم 28فبراير 2010م, بكلية الآداب , جامعة الاسكندرية ,



مؤتمر الدكتور محمد زكي العشماوي الخامس .
تحت عنوان " تجليات النقد الأدبي في المشهد الأدبي المعاصر " .
بدأ المؤتمر بالجلسة الافتتاحية التي حضرها السادة الضيوف : من اليمين :
الأستاذ الدكتور . فوزي عيسى " رئيس قسم اللغة العربية , بكلية الآداب "الأستاذ , ماهر جرجس " رئيس فرع الاسكندرية الثقافي الأسبق " ,الأستاذ جمال ياقوت " مدير قصر التذوق " , الأستاذ الدكتور . أشرف فراج " عميد كلية الآداب " ,الشاعر . عبد العزيز سعود البابطين " رئيس مؤسسة عبد العزيز البابطين للابداع الشعري " ,الدكتور . زياد العشماوي " من أسرة الدكتور العشماوي " , الأستاذ الدكتور. السعيد الورقي " رئيس المؤتمر " , الشاعر. أحمد فضل شبلول .


ثم , الدكتور . محمد أبو الشوارب " أمين عام المؤتمر "

















ثم أعقب جلسة الافتتاح تسليم الأعمال الكاملة للدكتور العشماوي التي طبعت على نفقة مؤسسة البابطين لعدد من المثقفين والعاملين بالحقل الثقافي .



وفي الصورة السيدة سلوى توفيق" رئيس القسم الثقافي , بقصر التذوق " تتسلم مجموعتها .






ايضا الدكتور السعيد الورقي يتسلم نسخته .


دارت الجلسة الأولى حول الحركة الفكرية فى الإسكندرية عند الدكتور زكى العشماوى "فى نقد الشعر .. العشماوى ناقدا" .
·قدمها : د.محمدزكرياعناني" أستاذ الأدب العربى بكلية الآداب جامعة الإسكندرية "
·


د. فوزى عيسى "أستاذ الأدب العربى بكلية الآداب جامعة الإسكندرية"
· د. محمد مكى " مدرس الأدب العربى بكلية الآداب جامعة الإسكندرية"


د. السعيد الورقى "أستاذ الأدب العربى بكلية الآداب " حول دوائر سحر الحكى .
· د. أبو الحسن سلام أستاذ علوم المسرح بكلية الآداب جامعة الإسكندرية فطنة الكتابة السردية
المناهج النقدية الحديثة ونقدناالعربى
· د. هانى أبو الحسن سلام مدرس الإخراج المسرحى بقسم المسرح كلية الآداب·




د. مختار عطية أستاذ الأدب العربى بكليى الآداب جامعة المنصورة حول " بين واقعية الخطاب واختزال الفكرة دراسة فى ديوان طفل يمتشق النور" الشاعر الحسينى عبد العاطى




ادار الجلسة الأستاذ الشاعر .. أحمد فضل شبلول




من اليسار : الدكتور أبو الحسن سلام , د. محمد زكريا عنانى, الشاعر .. أحمد فضل شبلول,
د. مختار عطية






من اليمين : د. مختار عطيه , د. محمد مكي , الشاعر . أحمد فضل شبلول .








من اليسار : د. هاني أبو الحسن سلام , الشاعر . أحمد فضل شبلول , د. مختار عطيه .









أما الجلسة الثانية فقد دارت حول موضوعي :

نقد القصة, مناهج النقد الحديث وموقف النقد العربى منها : وقد حضرها السادة:
الناقد والأديب . شوقى بدر يوسف , وتحدث عن :


نقد القصة القصيرة والحداثة, الأديب . منير عتيبة , وموضوعه عن : الموروث الشعبى فى متواليات باب ستة للقاص الراحل سعيد بكر , د. منير سلطان · أستاذ النقد والبلاغة بكلية البنات عين شمس , ودراسته حول : البلاغة وتجليات النص الشعرى المعاصر, د. عيد بلبع أستاذ النقد لأدبى والبلاغة بكلية الآداب جامعة المنوفية , وموضوعه : الدكتور العشماوى فى قراءة الثراث النقدى والبلاغى ,
· د. محمد عبد الحميد أستاذ الأدب العربى بكلية التربية جامعة الإسكندرية وتحدث عن : لغة الصورة فى الإعداد الدرامى بين المسرح وفنون الشعر, · ادار الجلسة : الدكتور السعيد الورقي أستاذ الأدب العربى بكلية الآداب .


من اليسار : د. محمد عبد الحميد , الكاتب . منير عتيبة , د. عيد بلبع , د. منير سلطان .














من اليمين :الناقد والأديب . شوقى بدر يوسف , د. منير سلطان , د. عيد بلبع , الأديب . منير عتيبة .





ثم أعقب ذلك :أمسية شعرية يشارك فيها نخبة من شعراء الإسكندرية : · الأستاذ الشاعر عبد العزيز سعود البابطين رئيس مؤسسة عبد العزيز البابطين للإبداع الشعرى
· د. محمد زكريا عنانى أستاذ الأدب العربى بكلية الآداب جامعة الإسكندرية , قدمها الشاعر .. جابربسيونى








من اليمين : الشاعر ناجي عبد اللطيف , الشاعر عبد العزيز سعود البابطين , الشاعر جابر بسيوني .












الشاعرة : رشا زقيزق .















د. محمد أبو الشوارب يلقي بقصيدة.

















الشاعرة : جيهان بركات .

















الشاعر : محمد مخيمر .

















ثم انتهى المهرجان بتوزيع الجوائز الخاصة بالدكتور العشماوى :













الفائز بالجائزة الأولى : مختبر السرديات بمكتبة الاسكندرية , وملفه عن الكاتب أحمد حميدة , وفي الصورة يظهر الأستاذ احمد حميده يتسلم الجائزة .












الفائز بالجائزة الثانية : الأستاذ . ابراهيم سعد الدين .











الفائز بالجائزة الثالثة : الأستاذ . على حوم .















وفازت بالجائزة الرابعة: الأستاذة . عزة أبو اليزيد .


وفي الصورة , الفائز الخامس : الأستاذ محمد عطيه .
توصيات المؤتمر :
1. العمل على طباعة ونشر الأعمال الشعرية الكملة , للدكتور العشماوي , ومخاطبة الهيئة العامة لقصور الثقافة بهذه الشأن .
2. العمل على اعادة نشر الراسات والكتب التذكارية التي أعدت عن الدكتور العشماوي , ومنها الكتاب التذكاري الصادر هيئة قصور الثقافة , وكتاب الدكتورة " ايمان الجمل " , وكذلك سائر الدراسات التي قدمت في ندوة المجلس الأعلى للثقافة , في احتفالية تكريم الدكتور العشماوي .
3. العمل على طباعة ابحاث مؤتمرات العشماوي السابقة .
4. متابعة التوصية السابقة , باطلاق اسم العشماوي على أحد الشوارع الهامة بالاسكندرية في منطقة سموحة .
5. مخاطبة كلية الاداب , باطلاق اسم الدكتور العشماوي , على احدى قاعات قسم اللغة العربية , ولتكن القاعة رقم " 43" .




























































































































































































الاثنين، 22 مارس 2010

الجمعة 12/3/ 2010م .


هذا الموضوع سوف يؤلم كل من يتصفحه , ممن سمعوا عن الحدث مثلي , أو من كانوا شهود عيان , أو من كان له أحد الشهداء , أو المصابين , ولكن من يطالع وسائل الاعلام يجد الكثير من تلك الأحداث كأنها روتين يومي , وليس الهدف من هذا اثارة الأحزان وانما التدبر واتخاذ الوقاية اللازمة , ومن يعلم يمكن أن يكون هذا الموضوع فيما بعد مثل الأفلام التسجيلية التي نراها عن مخاطر تعرض لها البشر في الماضي , وتم تجنبها بعد ذلك نهائيا – أتمنى هذا من الله – أما اذا كنتم ممن يتجنبون الموضوعات التي تثير الحزن في النفس , فتجنب هذا الموضوع وتابع ما سيليه من موضوعات باذن الله .
مروة الحمامصي


الجمعة 12/3/ 2010م .


صالون الدكتور "محمود رشدي" ولقاء مع المخرج المسرحي "جمال ياقوت" , في ندوة بعنوان : " طريقتنا في مواجهة الأزمات " , " حريق بني سويف نموذجا " .


وضح في البداية الدكتور رشدي الهدف من ذلك اللقاء , وهو تحليل تلك المشكلة من مختلف نواحيها . وتجنب وقوعها . حتى لا تتكرر تلك المأساة .

وقد قدم الدكتور رشدي أجزاء من السيرة الذاتية , للأستاذ جمال ياقوت , ومنها :

- تخرج من كلية التجارة عام 86 19 م.
- تخرج من كلية الآداب قسم المسرح , عام 2003م.
- حصل على درجة الماجستير من قسم المسرح , عام 2007م.
- له 15 نص مسرحي , وشارك بالتمثيل في 35 مسرحية .
- اتجه للاخراج , فأخرج 26 مسرحية أغلبهم من الأدب العالمي ومنها :

- تاجر البندقية , البوتقة , بيت الدمية " فازت بثلاث جوائز " , القرد كثيف الشعر " فاز بخمس جوائز عام 2009م".
وهو الآن مدير قصر التذوق بسدي جابر .

وقد بدأ الأستاذ ياقوت , وهو شاهد عيان على المحرقة بسرد بعض من أحداثها أو بالأحرى كما وصفها باجترا ر هموم ذاتية , وقد تناولها من قبل بالتسجيل والتدوين في مائتي صفحة بدءا من الأحداث التي أدت لسفره بني سويف وحتى رحلة علاجه , وقد كانت تلك الذكريات تجميع لأحداث طلبت منه بعدة ذلك للشهادة , في شجاعة يحسد عليها , في حين أن البعض ممن مروا بأحداث مؤلمة
لم يجرؤا على التفكير فيها حتى مع أنفسهم .

وكان قصر ثقافة بني سويف يقيم مهرجانا مسرحيا لنوادي المسرح , ونوادي المسرح كانت تجربة شابة شجعتها الثقافة الجماهيرية تتميز بالتكاليف البسيطة للعروض المسرحية , وحرية الابداع , وقدمت العديد من المواهب الشابة لأول مرة . وقد طافت بمحافظات الجمهورية ,وان نالت الاسماعيلية نصيب الأسد من الاستضافات .

وقبل الحادث بثلاث شهور تجمع نخبة من فناني المسرح لتكريم سامي طه الشخص الذي ارتبط بتطوير تجربة النوادي .

وكانت محافظة بني سويف تستضيفه عام 2005م , لأول مرة , وتجمع نخبة كبيرة من فناني المسرح في الافتتاح يوم السبت الذي مر بسلام وحضره رئيس الهيئة والمحافظ , وقد لفت انتباه الأستاذ ياقوت أن اليافطة علقت للمهرجان بعنوان " مهرجان نوادي المسرح الخمس عشر التذكاري" ولفتت نظره كلمة التذكاري , ثم مر اليوم الثاني بسلام وظل الأستاذ ياقوت لليوم الثالث لتصوير أحداث المسرحية بكاميرته الديجيتال , حيث طلب منه الأستاذ عبد الناصر حنفي البقاء والتصوير بدلا من انتظار المصور العادي الذي يتطلب الوقت لارسال الصورللقاهرة , وقد ظل الأستاذ حنفي يحس بالذنب من هذا .

وكان العرض الذي حدث اثناءه الحريق هو عرض " قصة حديقة الحيوان " للمؤلف الأمريكي ادوارد أولبي , وان يغلب على النص الكآبة والحزن وهذا ماعكسه المؤلف بالفعل على جو المسرحية , حتى أن الأستاذ ياقوت شبه جو المسرح يومها بالمقبرة من شدة الكآبة , وجو الحادث كما ذكره الأستاذ ياقوت يومها كان كالآتي : نقل العرض الى قاعة صغيرة , بها 25 مقعد , وديكور العرض كان من الورق المدهون بالطلاء وكلها مواد سريعة الاشتعال , بالاضافة الى احاطة خشبة المسرح بالشموع المشتعلة , قد غطى هذا الديكور الباب الرئيسي للقاعة في حين دخل الناس من باب صغير وهم لايعرفون في الأساس مكان الباب الرئيسي , وكالعادة اغلق الباب قبل بداية العرض مما أثار استياء الناس وتذمرهم فاضطر المخرج لادخال المزيد مماجعل القاعة مكتظة , وكالعادة بعد وقوع الأخطار يتعجب الانسان كيف فاته أن يري الأسباب ويتجاهلها , وتعجب من ذلك الاستاذ ياقوت لوجوده ووجود كثير من المثقفين لم يتنبهوا لهذا الخطر الوشيك , المهم انه قبل انتهاء العرض كان من المفروض أن يقتل البطل زميله ويجره على خشبة المسرح , فاشتبكت قدمه بشمعة , فأشعلت الديكور , وظن الحضور أنها شعلة صغيرة يمكن اخمادها الا أن النار انتقلت عرضيا وصعدت , واشتعل الديكور بالكامل في زمن قياسي ليبتلع الممثلين ولجنة التحكيم , وتتساقط شهب النار من الأعلى على الحضور, تسقط الكاميرا من يد الاستاذ ياقوت .
امسكت النار بملابس الحضور , وزاد من اشتعالها انها من الألياف الصناعية , في حين يذكر الأستاذ ياقوت ان ملابسه كانت من الكتان والقطن في روح دعابة لم تخل من المرارة لازمته طوال الحوار , وقد سقط اللهب على رأسه وظهره وذراعيه , فنطق بالشهادتين , أحس بعدها بفقدان الوعي , وان لم يفقد الوعي بالفعل فانه تدافع مع الناس من الباب ولكن ليس للخارج وانما دخل في ممر صغير واخذ بطفاية الحريق وحاول ان يساهم في الاطفاء , ثم حاول الخروج لابعاد سيارته التى تقف أمام الباب حتى لاتنفجر ويزداد الطين بلة , فرمى مفاتيح السيارة لأحد الخارجين فقذفها له مرة أخرى لأنه لا يعرف القيادة , كل هذا والنار أصابت يديه بشده لدرجة تساقط الجلد منها .

نقل بعد ذلك الى مستشفى بني سويف العام , في وقت لم يتنبه له المسئولون في المستشفى بخطورة الوضع , فاصروا في البداية على اتمام الاجراءات قبل اسعاف أي أحد , ثم تم النقل للدور الثالث , وكان ذلك في العاشرة مساء , ظل هذا الوضع حتى الخامسة صباحا حتى اصطحبه صديقه الدكتور صبحي السيد لمستشفى الهرم بالقاهرة , وتخلل هذا وقت بطئ من العذاب والألم , فحتى قيامه من على الفراش كان صعب جدا .

وصل الاستاذ ياقوت لمستشفى الهرم وينزل في غرفة منفصلة , وينقل للعناية المركزة حيث لا يوجد قسم للحروق بالمستشفى ,
وظل بها خمسة أيام حتى نقل لمستشفى السلام , حيث أصر على هذا وزير الصحة بعد أن ارد الاستاذ ياقوت السفر للخارج على نفقته الخاصة .

وبدأ فصل جديد من الأحداث عاد فيه الأستاذ ياقوت للسخرية المرة , وهو يتكشف الجو من حوله في تلك المستشفى , ويوطد علاقته مع الممرضات والعاملين , وحتى المرضى .

ثم تتوالى الأنباء بوفاة العديد من الأصدقاء في المستشفيات , في حين أن حالتهم كانت أقل خطورة منه .

ثم عاد الدكتور رشدي لتحليله للأحداث :

- جو العرض من ديكور ورق مغطى باسبراي قابل للاشتعال .
- العرض وجد به كثير من المثقفين لم ينتبهوا لخطورة ذلك .
- تواجد عدد كبير في قاعة صغيرة , وبابها الرئيسي مكانه غير معلوم للناس .
- بطئ وسائل الانقاذ , وعدم توافر مضخات الحريق في الشوارع .
" في حين أن في الولايات المتحدة عند اجتماع الحزب الجمهوري ان يوضع 100 سيناريو لتجنب الأخطار . منها اجراءات ضد الحريق ".
- اهمال المستشفيات , وعدم استعدادها لاستقبال مثل هذه الحالات .
- تعقيد اجراءات المستشفى وعدم قبولهم للحالات أولا , ثم اكمال الاجراءات .
- عدم وجود سيارات اسعاف مجهزة للسفر , ونقل المرضى لمسافات طويلة .
- اهمال الفترة الليلية في مستشفياتنا , وقلة الأطباء فيها .
- عدم مساءلة المسئولين .
- ارجاء كل مشاكلنا لتدخل القدر , في حين انها مشكلة ذات تدخل بشري بحت .



رحم الله كل الموتى في هذا الحادث , وهون على كل الناجين مما مروا به .



مقالات حول المحرقة :




الحكم في قضية محرقة بني سويف






























الحبس ١٠ سنوات لـ«علوي» و ٧ من المسؤولين عن محرقة بني سويف.. وإلزام وزير الثقافة بالتعويضعاقبت محكمة جنح بني سويف أمس، الدكتور مصطفي علوي رئيس هيئة قصور الثقافة السابق، و٧ من قيادات الهيئة بالحبس ١٠ سنوات وكفالة ١٠ آلاف جنيه لكل منهم، في قضية محرقة بني سويف في سبتمبر الماضي، لاتهامهم بالقتل والإصابة الخطأ لـ ٦٩ من النقاد والصحفيين والمواطنين، والإضرار غير العمدي بممتلكات الدولة، وإدارة ملهي غير مطابق للمواصفات، ولا تتوافر فيه الاشتراطات العامة والخاصة المقررة قانوناوألزمت المحكمة وزير الثقافة بصفته مسؤولاً عن الحقوق المدنية لأعمال تابعيه ومتضامناً مع المتهمين، بتعويض ورثة المجني عليهم المتوفين في الحادث والمصابين الوارده أسماؤهم بصحيفة الدعوي بواقع ٢٠٠١ جنيه كتعويض مدني مؤقت، بينما رفضت المحكمة الدعوي المدنية المقامة ضد وزير الداخليةوأكدت المحكمة في حيثيات الحكم، الذي جاء في ٥٤ صفحة، أن العقوبة جاءت لبشاعة الحادث، وليست استجابة لبكاء أهالي المجني عليهم، وأن المحكمة استندت في حكمها إلي أوراق التحقيقات التي بلغت ٤٢ ورقة بالإضافة إلي ثبوت اعتراف المتهمين بارتكاب الجريمةوكانت النيابة قد أحالت للمحكمة كلاً من الدكتور مصطفي علوي، ومصطفي مصطفي محمد رئيس الإدارة المركزية للشؤون الفنية، ومحمد سامي طه العزب رئيس الإدارة المركزية، وممدوح كامل أحمد رئيس الإدارة المركزية لإقليم القاهرة الكبري وشمال الصعيد، وعادل فراج مصطفي مدير فرع ثقافة بني سويف، وبهجت جابر محمد القباري مدير قصر ثقافة بني سويف، وسمير عبدالحميد حامد رئيس قسم المسرح، ورجب عبدالله محمد عطوة إخصائي أمن لاتهامهم بالتهم


السابق ذكرها.http://www.almasry-alyoum.com/article.aspx?ArticleID=17514
2-
قضت محكمة مصرية بالسجن عشر سنوات على ثمانية من مسؤولي وزارة الثقافة-
ومن بين المحكوم عليهم الدكتور مصطفي علوي الرئيس السابق للهيئة العامة لقصور الثقافة‏ في مصر، بينما كان المحكومون السبعة الآخرون يحتلون مناصب ادارية في قصر الثقافة ببني سويف-
كما قضت المحكمة بإلزام المتهمين‏، ووزير الثقافة بصفته مسئولا عن الحقوق المدنية لأعمال موظفيه بتعويض مدني مؤقت قدره 20 ألف‏ جنيه مصري لكل ضحية-
وكان وزير الثقافة المصري فاروق حسني قد تقدم باستقالته من منصبه بعد الحريق، باعتباره يتحمل المسؤولية النهائية لما يجري في الوزارة-
ولكن الرئيس المصري حسني مبارك رفض قبول الاستقالة، وطلب من الوزير الاستمرار في عمله، وهي الخطوة التي قوبلت بامتعاض بين الطبقة الفنية والثقافية في مصر-
وتعّهد وزير الثقافة آنذاك بالشفافية في محاسبة المسؤولين عن الحريق، وبادخال تعديلات على اجراءات السلامة في مسارح قصور الثقافة المنتشرة بأنحاء مصر-
وقدم صندوق التنمية الثقافية تعويضات لأسر الضحايا والمصابين بلغت ‏10‏ آلاف جنيه مصري لأسرة المتوفي، و‏5‏ آلاف جنيه مصري لكل مصاب.‏ وتبرع أحد رجال الأعمال المصريين بمبلغ نصف مليون جنيه لضحايا الحريق
من جانبه أكد الدكتور مصطفي علوي أنه لم يصل إليه منطوق الحكم، ولكنه كان مفاجأة كبيرة له ولهيئة الدفاع الخاصة به فقد قدموا اوراقا وأدلة تثبت عدم مسئوليته عن الحادث.. ولم يكن يتوقع هذا الحكم القاسي لكنه سوف يواصل جهوده للطعن عليه خاصة ان لديه ادلة تؤكد براءته
\4لم يعنينا الحكم كثيرا، فلقد انتهي كل شئ منذ زمن بعيد، منذ أن أدركنا أن مطالبنا بمحاكمة وزير الثقافة ووزير الصحة ووزير الداخلية ومحافظ بني سويف، والتي ذكرناها في بيان جماعة خمسة سبتمبر الأول بعد الكارثة سيكون مصيرها هو مصير مطلبنا العادل والمستحيل، أن يعود لنا من رحلوا. استطاعت الدولة ضرب الحركة المساندة للقضية في معهد الفنون المسرحية، وكذلك في الثقافة الجماهيرية، وأعطت تعويضات للضحايا والمصابين وقامت بتعيين بعضهم في وظائف بمؤسستها، وساهمت الظروف وقلة الوعي السياسي لبعض نشطاء المسرح في جماعة خمسة سبتمبر، وصدمة الأهالي في رحيل محبيهم، وعدم وجود جمهور حقيقي وراء من رحلوا، والأجواء الغير لإنسانية ببلدنا، ساهم كل هذا بالتعامل مع الباقي لكي تستمر الحياة...كلنا مذنب وكلنا برئ... علينا أن نتجلد ونستجمع ما بقي لنا من قوة لندفنهم الآن، كما دُفنت أجسادهم من قبل، .......إن استطعنا
سيزيف مصري





أفلام حول المحرقة :



العرض الذي حدث فيه الحريق






محاولات الاطفاء



(2)





شهداء المحرقة




(2)

http://www.youtube.com/watch?v=RxnYCZCiJ-g

الاثنين، 15 مارس 2010

رواية السرابيل









الكاتب محمد الناصر






















غلاف رواية السرابيل















الكاتب محمد الناصر

الاسم :
محمد الناصر أحمد أبوزيد

الوظيفة :
مذيع ( إذاعة صوت العرب )

المؤلفات :
المملوك قصص " سلسلة الجوائز بالهيئة العامة لقصور الثقافة "
ياعم ياجمّال قصص " مركز الحضارة العربية "
المقايضة مسرحية " الهيئة العامة لقصور الثقافة "
حجّاكم الله قصص " الهيئة العامة للكتاب / اتحاد كتاب مصر "
السرابيل رواية " نادي القصة "
الراديو فن الممكن والمستحيل إعلام " دار اكتب "
تحت الطبع :
العرائس مسرحية

المقال :
يكتب مقالا اسبوعيا في صحيفة "المسائية" اليومية الصادرة عن أخبار اليوم

الجوائز :
ـ جائزة الهيئة العامة لقصور الثقافة عن المجموعة القصصية "المملوك "
ـ درع مهرجان صنعاء الرابع للقصة والرواية
ـ شهادة تكريم من مهرجان التمثيلية الأولي من اذاعة الشباب والرياضة

المؤهلات العلمية :
ليسانس الآداب قسم الصحافة / كلية الآداب / جامعة أسيوط
دبلوم الاذاعة والتلفزيون / كلية الإعلام / جامعة القاهرة
دبلوم العلوم السياسية / معهد البحوث والدراسات العربية

العضوية :
ـ عضو مجلس ادارة نادي القصة ( أمين الصندوق / رئيس لجنة تكنولوجيا المعلومات )
أسس في النادي أول مكتبة للقصة في مصر، وموقع نادي القصة علي الانترنت
egstoryclub.com
ـ عضو اتحاد كتاب مصر
ـ عضو مؤسس في جمعية حماة اللغة العربية، وعضو مجلس الادارة

بريد الكتروني : ma_zzz_ma@yahoo.com



الأحد 26/7/2009م .

صالون الأستاذ الدكتورمحمد زكي العشماوي الأدبي ... ولقاء مع الأستاذ الدكتور " السعيد الورقي " أستاذ الأدب العربي
بكلية الآداب . جامعة الاسكندرية . والناقد الأديب " شوقي بدر يوسف " حول مناقشة رواية "السرابيل " للكاتب " محمد
الناصر" .

بدأ كاتب الرواية شرح الجو العام للرواية حيث قلب الصعيد في منتصف العقد الرابع من القرن العشرين ثم السفر عبر
الزمان لمعرفة تاريخ تلك القرية التي تدور أحداث الرواية فيها وهي قرية " التلحة " بمحافظة سوهاج مركز جرجا .
والتلحة تعني من يحمل شئ على ظهره حيث القرية تحتها النيل ووراءها الجبل وكأنها تسند بظهرها الجبل حتى لايقع .
والكاتب قسم روايته الى "بابات " كل بابة تحمل عنوان مختلف ولجأ لهذا التقسيم حيث بابة هي التي تتم عليها فن خيال
الظل منذ نشأته على يد ابن دانيال في العصر العباسي , حيث رمز لهذا الفن الذي يعكس على سطح آخر . أي لابد من
اعاة النظر في كل مايقرأ من تلك الرواية .
وقدم الناقد " شوقي بدر يوسف " دراسة بعنوان ( رواية السرابيل بين شفاهية الحكي والبناء الروائي )
حيث بدأ بتعرض القرية للسيل الطبيعي ويماثله السيل من الجنود الانجليزوقطار الجاز الذي حول الأرض الخصبة الى
عقيمة . فاضطر أهل القريةللاتجاه الى الصحراء حيث الأساطير والثوار السابقين من مماليك محمد علي الفارين ووفاة
أحدهم في تلك المنطقة ودفنه ووضع طربوشه كشاهد قبر ثم بناء مقام لولي وهمي يدعي أبو طربوش .
وقد استخدم الكاتب خاصية الأنسنة للحيوان والجماد ليحمل العبرة والعظة كما في قصص كليلة ودمنة .
وقد حملت الرواية اسماء لشخصياتها تناسبت مع المرحلة التاريخية مثل : المشخلعة ابنة العمدة . ومشخلعة تعني الكردان
الذهبي , وزوجها ويدعى السخل " بكسر السين والخاء " أي الجدي الصغير. وناك ايضا من الأسماء المسيحية مثل سبلة
أو سنبلة وزوجها مسري وهو من الشهور القبطية .
وقد استخدم الكاتب في روايته علم الأنثربولوجي والأحداث التاريخية والحكايات الشعبية ومدونات الحكي الشفاهية
والخيال السردي .
وقد وصفها كثير من النقاد بأنها ذات أسلوب جديد لم يستخدم من قبل , ورشحت الرواية لجائزة البوكر العربية لعام 2009
م. ولكن فازت بها رواية عزازيل ليوسف زيدان .









دراسة :
رواية السرابيل بين الواقع والفانتازيا.

** للناقدة الجزائرية
كريمة الإبراهيمي

الرواية كجنس أدبي، لها من المرونة ما يجعلها قابلة لاحتواء الحياة، بل تفاصيلها.إنها تشبه الحياة-بتعبير الكاتبة
جورج صاند-.تأخذ منها ما تشاء فقط لتشكل عالمها، وتمتلك إمكانات لامحدودة في رسم هذا العالم المركب والملون.
إن الراوية فن شامل و"مفترس يلتهم كل ما يُقدم إليه ويطلب المزيد(1) فهي قادرة على استيعاب كل الخيوط لأجل
تأسيس كيانها ، وربط صلتها بكل جزئيات الواقع الذي لا يمكن أن ينفك وثاقها به" فلا شيء يمنعها من أن تستخدم
الوصف والسرد القصصي،والدراما والمجادلة،والتعليق والحوار الذاتي، والمقالة والأسطورة والخبر والخرافة الأخلاقية
والأنشودة الرعوية والمدونة التاريخية والملحمة"( 2 ) . ومن هنا فإن المبرر الوحيد لوجود الرواية-حسب هنري
جيمس-"هو أنها تحاول بالفعل تصوير الحياة،لا فرق بينها وبين لوحة المصور أو الرسام..."( 3 )
حين أهداني الروائي-محمد الناصر-روايته-السرابيل- في أحد لقاءاتنا بنادي القصة بالقاهرة، بدا لي العنوان
غريبا.وحين شرعت في قراءة الروية، بدا لي الأمر صعبا ولكن بمواصلة القراءة استعذبت الرواية وبدت تظهر لي
جمالية صياغتها.
وليس بعيدا عن قول-هنري جيمس-، تأتي رواية-السرابيل- لترسم عوالم جميلة وساحرة.يأخذ – محمد الناصر-
قلمه ليتفنن في رسم لوحة فنية بالكلمات تكاد تنطق بصدق أحداثها وحركات شخصياتها.
-السرابيل- رواية مكان..تأخذ بالواقعي والخيالي لتواصل نقش اللوحة لقرية مصرية. ولأن الرواية في حقيقتها "رحلة
في الزمان والمكان على حد سواء"( 4 ).تغوص في أحداث الماضي لتربطها بالحاضر.تستحضر هذه الأحداث لتبني
أسطورتها الواقعية دون أن تبتعد عن التاريخ الذي تظل لصيقة به. انه رافدها الهام وحليفها الدائم" فسبب كون التاريخ
حليفا طبيعيا للرواية هو أن كلا منهما لم ينته"( 5 ).
و- السرابيل - أيضا رواية تجنح إلى الخيال لتجاوره مع الواقع ، لتشكل مزيجا لا هو واقعي كليا ولاهو خيالي كليا.إنها
باختصار واقعية سحرية تستند إلى عناصر واقعية لتؤسس فانتازيا العوالم العجائبية.
وإذا كان مفهوم الواقعية السحرية كمذهب نقدي وفني ، لم يتشكل بعد في صورة واضحة المعالم،فإن رواية-السرابيل-
تنحى هذا المنحى الغر ائبي من خلال لغة فنية جميلة، بحيث تنبثق قرية- التالحة - كنموذج واقعي ، مضافة إليه عناصر
تقترب من الخيال لتظهر هذه الصورة التي شكلها الروائي.
وسواء كانت العلاقة بين المكان الواقعي، والمكان المتخيل حقيقية أو مجرد وصف فني ، فإن ربط أحدهما بالآخر"
يجعلهما يتقاطعان عبر آلية الاتصال والانفصال بين الواقعي والمتخيل، المكان الفني متصل بالمكان الواقعي ، ومنفصل
عنه في آن واحد"( 6 ).إنها الرواية التي تتوسل إلى الواقعي بالخيالي لتحلق في فضاء بعيد.

بنية سردية واقعية وغرائبية:
1-بنية سردية واقعية:
لقد استفادت الرواية وعبر مسيرتها ،من الفنون الأخرى لتوجد لنفسها إطارها الخاص.وفي ارتباطها بهذه الفنون،تسعى
الرواية لإثراء مجالها ليكتمل وجودها كزخرفة فنية غنية بشتى المظاهر.ومن هنا جاء قول-فرنون لي-:" إن الرواية
ينبغي أن تكتب وكأنها سيمفونية أو أوبرا"( 7 ).
فالروائي يفرش بساط روايته على رقعة مكانية يملؤها بالشخصيات والأحداث ، ليحشوبها عالمنا التخييلي أو الافتراضي
فنسافر معها، نجول في أمكنتها ونحاور أطياف شخوصها ونبحث عن أنفسنا بين جنباتها.
تبدأ رواية-السرابيل- من –التالحة- وتنتهي بها. تنطلق من بطليها-السخل- وامرأته-المشخلعة- و-مسري- و-
سبلة-.وحكاية الحب التي ترويها-التالحة- بكل مافيها.يأتي الانجليز ليستوطنوا القرية وقبلهم المماليك ولكن الأشياء لا
تتغير.تظل التقاليد ويظل الرجال رغم خوفهم أحيانا رجال.يضربون صورا في الحب،وفي الموت.هي قصة الصمود
إذن.وهو التاريخ" لكن البلد في سنة كرهت المماليك،ودار جده حمود على البيوت يلعن اليوم الذي نزلت فيه البلد أقدام
المماليك ويلعن نفوسهم الواطية"( 8 ).ويضيف" ثم جمع المماليك في القلعة وذبحهم كأنهم جديان يوم الضحية،رحمة
الله على الباشا الكبير ما خلفش يا ولدي أولاده ركبوا الانجليز البلد والانجليز لا يقدر عليهم إلا خالقهم"( 9 ).
ويضيف" المماليك كانوا سيف الخالق، لما هجم الكفرة المغول وهجم الفرنجة قبلهم على البلد،قال له شيخ الجامع، أن
ذلك كان في وقت موت الملك زوج الشجرة، لأن الملك التاسع نذر لو شفاه الله سيغزو الشرق ليصلي في كنيسة القيامة ،
وكأن الصلاة لا تصح إلا بالحرب وأن التاسع جاء الكنيسة يصلي ومنعه المسلمون.."( 10 ).هي الحقيقة التاريخية
بجمالية فنية.هوتاريخ –لويس التاسع-ملك فرنسا الذي أسر بالمنصورة ، وهم المماليك وشجرة الدر.ومنه يتجلى البعد الموضوعي للأحداث وللمكان الروائي الذي يخلقه الكاتب ، وهكذا يتجلى هذا البعد الواقعي" في الإحالة المستمرة من الخيالي المصنوع من الكلمات ، إلى الواقعي المصنوع من الطبيعة وعناصرها المادية، في العملية الذهنية الرامية دائما ، إلى إخراج اللغة من تجريدها ، وإلصاقها بما يمكن أن تتوضع فيه موجودات وعناصر مادية"( 11 ) .و-محمد الناصر- خلق هذا المكان بعناصره اللغوية . يقول:"منذ جاء الانجليز بقطر الجاز، وفي كل نهار وليل يكبر جبلي ويصغر في عيون الخلق، بقدر ذراع السخل إذا شد لجام البقرة ، وتتسع صحرائي وتضيق..وأنا التالحة أتسربل بحكاياتهم..."( 12 ).
فالروائي قادر على صنع المكان الخيالي ، ومنه فهو يسعى دوما إلى إقناعنا بوجوده ، ليس كخيال بل كحقيقة موضوعية.وهنا يقول الروائي-دوستويفسكي-:"يجب على الخيالي أن يكون على تماس مع الواقع ، لدرجة تجعلكم تصدقونه"( 13 ) .
و-التالحة-في رواية-السرابيل- ، تظهر كواقع حقيقي شهد تغيرات تاريخية وطبيعية ، وتضم مجموعة من الشخوص المتحركة على مسرحها " منذ أن وقع اختيار مدير المديرية على التالحة كي يبدأ منها حملة التوقيعات على تفويض-سعد- وأصحابه للتفاوض مع الانجليز على الاستقلال"( 14 ). فالإشارة هنا لسعد زغلول وتفاوضه مع الانجليز تأكيد على الحقيقة التاريخية.
2-بنية سردية عجائبية:
يمكن للمكان الروائي أن يحقق حضوره من خلال التفاصيل الصغيرة ، كالرائحة والصوت والحركات التي تحدده. ويتحقق حضوره أكثر من خلال " الشخصيات التي تتصارع على أرضه ، محققة لها وجودا أسطوريا ، ينقل المكان من مجرد بقعة يعيش في إهابها أناس متعينون ، إلى مستوى الرمز والأسطورة الدالة"( 15 ).فشخصيات-السرابيل- نصف أبطال ونصف أسطوريين.ترتسم ملامحهم على تراب-التالحة-.
وفي-السرابيل- كل شيء يتكلم.البشر والطبيعة كلها{التالحة، الصحراء، الجبل،الماء،البقرة،الحلق،النجمة،القبر، الخيمة....}.تقول –التالحة-:"لما جاء السيل، تيقنت أنهم ما عادوا لي، إنهم للصحراء، لمواسم، فمن الذي ارتاح ومن الذي سيشقى"( 16 ) .وتقول-الصحراء- : "تدوسني أرجل البهائم بلا حياء، وكنت قد ارتحت من حوافرها لزمن ، أنا الصحراء ما خلقت للامتلاك"( 17 ) .ويقول –الرمل- : "ميزان منصوب فوقي، لا يكف عن الصعود والنزول، الحريم حوله،عادت صدورهن للارتفاع بعد أن تخففت من حملها الذهب"( 18 ) .وهكذا تأخذ كل الأشياء في الرواية طابعها الغرائبي. تغوص في الواقع وتربطه بالخيال من خلال التقاط الروائي لكل ما في المكان ، ليحوله إلى شخوص تتفاعل فيما بينها. فلا غرابة في أن تمتزج الصحراء بالرمل بالماء بالنجوم وبالقبور ، لتؤلف عالم-التالحة- الواقعي والغرائبي في الآن ذاته.ولعل أكثر ما يؤكد سحرية الرواية بعض ما يرويه اهل-التالحة- من حكايا تتجاوز الواقع. فيقول في-باب البلجة-:"ولما ذبحت البلد المماليك،دفنتهم في مكان معسكرهم، ثم جاؤوا بالتراب من كل زرعة،وردموا عليهم،نفرت الأرض وارتفعت للسماء بقدر نخلة وبنوا وسطها مقاما سموه الشيخ ابوطربوش.."( 19).ويقول في- بابة حلق مسري- : "جاءت سبلة تحكي للمشخلعة عن الذي جرى لها ، عندما أعادت حلق مسري لأذنها ، جذبها لفوق وطار، الحلق يشدها للسماء ، ومسري وأبونا وأمها وجدتها قيصوم يشدانها إلى الأرض،غلب الحلق وطارت، جناحاها فردتا الحلق،نظرت إلى الخيام نملا يدب على الأرض...رأت الجن على الجبل يلعب عيالهم السيجة،وحريمهم تمشط شعرهن بمشط أطول من نخلة..."( 20 ) .ويضيف في –بابة رماح- "صرخ رجل وهو يشير للمرأة التي دفنت ناسها بالأمس، كلما سقط عليها الماء،تبدل لحمها،وسقط شعرها وغارت عيناها وتحولت قدماها في بركة الماء أسفلها إلى منجلين، نظرت إلى ماء البركة،رأت صورتها صرخت ، فصار لها جناحان من نار، ضربت بجناحيها الهواء، طارت، لم تذهب ناحية الجبل، اختفت في الصحراء واختفت معها قبور ناسها..."( 21 ).وهكذا تتحقق أسطورية المكان كما يسميها الناقد-محمد بدوي- حينما"يقرن المكان ببعض الأحداث والمعلومات التي يتخذ بعضها طابعا يجمع بين الغرابة والطرافة والتاريخ"( 22 ). لقد حققت رواية-السرابيل-هذه الغاية فجمعت بين الغرابة والطرافة والتاريخ.

رواية امرأة:
كتبت الرواية بأسلوب مغاير للرواية العادية. قسمها صاحبها إلى مجموعتين:كتاب وبابة. 1-كتاب/النبق،ويشمل : بابة العشية،بابة البلجة. 2-كتاب الجاز ويشمل: بابة الديمة،بابة السيل،بابة العسكر، بابة الجبّانة. 3-كتاب الصحراء ويشمل: بابة مخرق الجبل، بابة بيرالسحبة، بابة القرابينة. 4-كتاب العنود ويشمل: بابة السوق،بابة ريس المكن،بابة الموردة. 5-كتاب الذهب ويشمل: بابة يوم المصاغ،بابة قطر الجاز، بابة الوطاق، بابة الدير.6-كتاب الحريم ويشمل: بابة المولد، بابة بيت الملائكة. 7-كتاب الريح ويشمل: بابة البرطعة،بابة أبو الزغابير، بابة أبونا. 8-كتاب الخبل ويشمل: بابة الرشوف، بابة برمهات. 9-كتاب القطن ويشمل: بابة أوجاق جمليان،بابة الحجول،بابة حلق مسري.10-كتاب البئر ويشمل: بابة رماح.
المرأة في الرواية جزء من المكان .تملؤه بحضورها.تذيع فيه من جمالها ورائحتها.يقول الروائي :" البنت في التالحة إذا قربت ليلة دخلتها،تغسل جسدها في الفجر كل أسبوع، تخلط الماء والبخور، وعندما يصل عددها سبعة،سينزل أمر الله من سابع سماء، وتكون دخلتها مباركة، فجر يوم السيل كان الغسل الأول لسبلة،اشتاقت لكلام مسري وهي تصب الماء الدافئ على جسدها"( 23 ) .ومن خلال المرأة تنتصب طفولة-التالحة-مجسدة في تحليق-سبلة- بالحلق الذي أهداها إياه –مسري- "ثم رأت نفسها في الماء هي والمشخلعة طفلتان تختلسان وقتا للعوم بملابسهما، فإذا رأتا السخل ومسري جرتا مثل جروين، فضحهما الماء الذي ألصق ملابسهما بجسديهما"( 24 ) .وهي-المرأة-المدللة ،التي يملأ الذهب جيدها" ولولا المشخلعة لكان السخل ظل حافيا، بنت العمدة لا يليق بها الحافي"( 25 ) .وهي" يوم ولدت، غسلوا جلدها بالمسك ودعكوه بالعنبر"( 26 ) .وهي الوجه الذي يطرد الحزن ويعيد للوجه مرحه"..وطلبوا منه أن ينسى المخبولة ، ويعود للنظر في الماء لعله يرى وجه سبلة فيعود إليه مرحه"( 27 ) .وهي الحبيبة المنشودة"وهدية سبلة المحبة،وحلقا يتدلدل من أذنيها حتى صدرها،كلما حركه الهواء تسمع ماري جرجس يقول لها:الحب قوي كالموت"( 28 ).هي إذن المرأة في –التالحة-.محافظة على التقاليد،لا تكشف نفسها للرجل"فهي منذ ثلاثين عاما تطفئ-اللمبة العويل-قبل أن يقترب منها رجلها، وإذا اعترض تطلب منه أن يذهب للمديرية للبحث عن غازية"( 29 ) .هكذا قالت إحدى النساء للمشخلعة وهي تروي لها قصة-الحرمة الحمرا-الانجليزية القادمة إلى –التالحة- والتي "ارتفع ثوبها القصير،وكأن وركها لم يتعر للناس كفاية،اخفت الحريم وجهها بالطرح، وحسد الرجال الجمل على ما حمل"( 30 ).والنساء في –التالحة-يفضلن رجالهن السمر و"يشفقن على حريم البلاد الباردة، يعاشرن رجالا لهم مذاق الطعام بلا ملح، فسمار الرجال يجعل عروق الحريم تنتفض، كأن كلبا مسعورا يجري داخلها"( 31 ).هو الارتباط إذن بالمكان من خلال لون البشرة الذي يرتبط بالأرض.وكل ما في الرواية يرتبط بالمكان، حتى أسماء الشخصيات.فالسخل هو صغير الجدي، وهو لا يعيش إلا بالمكان، و-سبلة-من السنبلة التي تنبتها الأرض، و-مسري- شهر من أشهر السنة يرتبط بكثرة الأمطار التي تروي الأرض.و-المشخلعة-هي الذهب الغالي وهي الأصل العريق الذي لا يوجد خارج المكان.وكل هؤلاء تضمهم –التالحة-التي تتوسط الجبل والنيل والصحراء وهو المكان.
إن رواية-السرابيل- سفر أدبي فيه الكثير من المتعة الجمالية، خاصة بتوظيف الكاتب لمجموعة من المعلومات والأمثال والأسفار ، وغيرها مما يجعل القارئ يلم بعالم من الفسيفساء اللذيذة. ولا أعتبر رأيي هذا إلا محاولة لولوج عالم –محمد الناصر-الجميل، بألوانه المدهشة ، وتناغمات كلماته المتدفقة كشلال محبة ، وأجمل ما أختم به هو الجملة الواردة في الرواية"الحب قوي كالموت".هو الحب إذن بمفاهيمه الكبيرة التي هي وسع الأرض ووسع السماء.




فيصل مصطفي
قاص وروائي سوداني مقيم بالقاهرة
ـــــــــ
هذا نص يكتنز يالتقنيات وتتعدد فيه الأصوات الساردة ، يتخطف انتباهك منذ الوهلة الأولي ـ قسرا الي عوالم حكائية متجانقة .
هل هي واقعية سحرية ؟
أهي بحث في الموروث الشعبي ؟
اليست اسطورة منتزعة من أحلام الوعي الجمعي ؟
أم هي فنتازيا تتوخي الغرائبية ؟
لعلها خليط من كل هذا وذاك ؟
يتمازج متجانسا ليعيد انتاج رواية السرابيل للروائي المبدع محمد الناصر ، بهدف ترديد انشودة معايشة المسلم بالقبطي، في مجتمع بدوي يؤطره التسامح .
تتحري اللغة المستخدمة في رواية السرابيل دقة الوصف، في نقل الحدث طازجا، كأنه تجسيد حي لوقائع راهنة .
ثمة اشكالية تتلبس المتلقي وهو يلج بوابة هذا النص الملحمي، تتمثل في التعاطي مع معجم لغتي السرد والحوار المضفرتين بالمفردات " الحوشية " المحكية، بحكم ايغالها في أزمنة وأمكنة غابرة ، مما دعي المؤلف أن يحشد أسفل الصفحة بكم هائل من الدلالات المفسرة لتلك الألفاظ ، ما أربك المتلقي وجعل ذهنه مشتتا ومتنازعا بين المتن والهامش .
ربما كان من الأجدي، أن يترك للمتلقي التقاط معاني ودلالات هذه المفردات، من سياق الجمل والعبارات .
في ظني دائما ـ أو ربما من الأفضل أن نحسن الظن بحصافة القارئ .. لا سيما وان مثل هذه النصوص التي توصف بالمطالعة الصعبة لا يطالعها الا ذوي الاختصاص .
يكتظ هذا النص بدوائر التجريب التي تنداح من عتبته الأولي الي خاتمته ، ويكفي أن نشير في هذا الصدد الي انسنة الأشياء المحيطة بمكان مسرح الأحداث ، وبراعة المؤلف في جعلها تحس وتتكلم وتسدي النصح و تزجر وتعتب وتبدي رأيها فيما يدور حولها من أحداث جسام .
هذا نص بكل المقاييس يعتبر فتحا مبينا في عوالم الفن السردي .






سـرابيـل محمـد الناصـر

أ د : يوسف نوفل



****

الإعلامي والإذاعي محمد الناصر كاتب عرفناه في مجموعاته القصصية، " المملوك "، و"يا عم ياجمـّّال " و" حجّـاكم الله " ، ومسرحيته " المقايضة " ، واليوم نلتقي به في فن آخر ، لا يبعد كثيرا عن آفاق الفنين السابقين ، هو الفن الروائي ، ومنه تلك الرواية التي بين أيدينا " السرابيل " وواضح منذ البداية ، أن للكاتب أسلوبا خاصا في صياغة عنواناته، ومنه عنوان هذه الرواية .
كما أنه ينهج منهجا سرديا يحمل عبق الزمان والمكان في عالم السرد ، يضطره هذا النهج في كثير من الأحيان ، الي إضافة هامش لمتن السرد تفسيرا، وتوضيحا، إما لاختلاف اللهجات ، واما لخصوصية البيئة والمكان ، أو العادات ، أو لاصطلاحات الشهور ، أو لأسماء البلدان غير المشهورة ، او الرجوع لمصدر النص كسفر الأمثال .
.......الخ ما هنالك من حواش ، تتسم بها تلك الرواية دون غيرها من سائر ألوان السرد الشائعة ، وقد تحاشي في العنوان وجود ذلك السرد الهامشي ، اذا جاز لي أن اطلق هذا المصطلح ، اذ جاء العنوان محتميا ببلاغة الفصحي " سرابيل " مستغنيا بها عن نهج الشرح ، اذ لا حاجة الي السرد الهامشي في العنوان ، ولهذا وجدناه يلجأ للطبيعة المحلية ، ويفضل تعبير لباسات، حيث تكون الفرصة متاحة لذلك السرد الهامشي .
وهذا السرد الهامشي الذي تعمده الكاتب تعمدا ، كما هو واضح ، يدل علي حرص السارد علي مشاركة عملية السرد في حركتها، ونموها، وتراكيبها ، وتسلسلها ، وتصاعدها ، وكأنه بذلك يتقدم خطوة تفوق خطوات ذلك السارد العليم بكل شيئ ، كما يقولون ، وقد سارعت تلك المشاركة السردية، الخطوة التي سبقت السرد في النص الموازي في عتبة الرواية ، في ثمانية أسطر كأنها النص الموازي .
منذ جاء الانجليز بقطر الجاز، وفي كل نهار وليل يكبر جبلي ويصغر في عبون الخلق ، بقدر ذراع السخل اذا شد لجام البقرة .. "وهنا يبدأ السراد الهامشي ، وحين ينتهي ذلك النص الموازي تبدأ مفاتيح السرد المفصلية المتمثلة في نوعين ، النوع الأول بعنوان " كتاب " وهي عشرة كتب كأننا أمام " العشرة " عند تصنيف ابن النديم في الفهرست ، أو فهرس العلوم قديما ، والماضي علي نهجه حديثا " ملفيل ديوي " في التصنيف العشري للمعرفة والمكتبات ، عشرة كتب هي :
كتاب النبق ـ كتاب الجاز ـ كتاب الصحراء ـ كتاب العنود ـ كتاب الذهب ـ كتاب الحريم ـ كتاب الريح ـ كتاب الخبل ـ كتاب القطن ـ كتاب البئر .
والنوع الثاني : البابة .
بابة البلجة ـ بابة الديمة ـ بابة العسكر ـ بابة المصاغ ـ بابة قطر الجاز ، بابة المولد .. الي اخر البابات .
وهذان المفتاحان للسرد " الكتاب " و " البابة " ، مع النهج السردي الشارح،. مظهران من مظاهر حرص الكاتب علي أمانة السرد ودقته " ، لأنه بصدد الانتقال بالمتلقي : مكانيا وزمانيا ، وهذا الانتقال الجامع بين صفتي الزمكانية، يقتضي ترتيب السرد ترتيبا خاصا ، يحرص فيه السارد علي الدقة ، منعا لالتباس الأمر علي المتلقي من ناحية , و إضفاء قدر من بلاغة التعبير .
من ناحية اخري ، تضاف الي أنواع البلاغة المعروفة في آليات السرد القائمة علي أدوات السارد الفنية من الصوت، والمفردة ، والجملة ، والتركيب ، والتصوير ، والتخييل ، والرصد الواقعي ، الإيهام ، والتلاعب بالزمن صعودا وهبوطا ، حركة ، وثباتا ، وتولية الأسلوب وجهات متنوعة متغيرة بين الاثبات والنفي ، الاستفهام والاجابة ، الحوار المسموع الخارجي ، أو النجوي الداخلية ( انترنال مونولوج ) انه يثق ، بلا شك ، في قدرة تلك الاساليب البلاغية السردية المتنوعة ، لكنه يحاول اثراءها ، وفي الوقت نفسه تحديدا مسارات السرد ، لأنه في تصوري ، لو لم يمسك بزمام السرد هكذا لجمح وجنح به ، وطال واستطال ، لأن المضمون الكامن في حركة السرد ، من الممكن أن يستوعب قدرا أكبر من الصفحات ،وألوانا أكثر من حيل القاص " الفنية " لكن الكاتب محمد الناصر استطاع ـ ببراعته الفنية ـ واكتفي بذكر فقرة من هذا السرد ، لنعرف كيف كان السارد مسيطرا ممسكا ، بالزمام بصلابة ويقظة .
عندما علم " شيخ البلد " في مصر بحكاية البئر، أرسل نفرا من " أوجاق متفرقة " نصبوا له راية " شيخ البلد " مخنوقا بيد عساكره ، بعد أن نصبوا " الراية بشهور ص 218









رواية السرابيل
تستدعي التاريخ لتواجه الحاضر


للناقدة الفلسطينية د. سهام أبو العمرين*



****

من أجل فهم أسئلة الواقع الراهن، تلجأ بعض النصوص الروائية إلى تفكيك لحظات معينة من التاريخ، واستلهام بعض أحداثه، فى عملية امتصاص وتحويل تتم داخل النص الروائى المتفاعل، الذى يستوعب ويبتلع كافة الخطابات، ويعمل على تذويبها فى بنية النص المتخيل، وإكسابها دلالة جديدة ومعنى مغاير.
تقف رواية السرابيل** الرواية الأولى للكاتب محمد الناصر، فى تلك المنطقة التى تمتح من سياقات عدة مادتها، كالسياق التاريخى والتراثى – بشكل خاص -، وتذويبهما فى بوتقة عالم غرائبى ، يتكئ على توظيف الأسطورة والخيال المجنح، وتوظيف طابع القص الشعبى الشفهى، والاستفادة من الإمكانات التقنية للرمز، ليصبح النص بناءً مفتوحًا على سياقات مختلفة، من شأنها أن تسهم فى توليد الدلالة، التى تتواشج مع دلالة النص الأكبر / العالم، الذى تبدو المعرفة فيه أشبه بالرمال المتحركة، لافتفاد المركز الثابت الذى تتكئ عليه الدلالة؛ ليصبح النص كيانًا ديناميًّا ومتفجرًا بالمعنى.
بناء رواية السرابيل يقوم على تقسيمها إلى عشرة أجزاء، كل جزء يبدأ بكلمة كتاب، وكل كتاب مقسم إلى عدة أقسام، كل قسم يبدأ بكلمة "بابة"، ويعلق المؤلف فى هامش له أن "ابن دانيال" قد استخدم كلمة "بابة فى حديثه عن مسرح خيال الظل، الذى أجاد فيه فى العصر المملوكى، فقال: "بابة طيف الخيال". هذا التقسيم البنائى للرواية هو ما يواجهنا مبدئيًا، فى الرواية التى لا تستدعى التاريخ كمادة تتخلل الأحداث الحكائية للنص فحسب، وإنما التأثر يمتد لشكل الكتابات التراثية كذلك.
تعرض الرواية لثنائية العلاقة الجدلية بين الحاكم والمحكوم، بين القوى السلطوية الاستعمارية ومجتمع الوسية الطبقى، حيث قرية "التالحة" إحدى قرى صعيد مصر عام 1935م، التى تتعرض لسيل يطيح بها، ويطمس ملامح الحياة فيها، بعد تفجر قطار الجاز وتحويل القرية إلى كتلة من اللهب. لتعد القرية منطقة كوارث كما يعلن الإنجليز، الذين يأتون للقرية بآلاتهم، لتخليصها من الجاز الذى تشبعت به الأرض، أما الأهالى فيضطرهم الخراب للنزوح إلى الصحراء، الرابضة وراء الجبل الذى يسكنه الجن، والذى يُنسج حوله الكثير من الحكايات، يستقر أهل التالحة بجوار بئر "السحبة" الذى تُعَلَّقُ عليه رؤوس المتمردين والثوار الذين تتبعهم السلطة عبر مخرق الجبل. يحلم الناس بالعودة إلى قريتهم، بعد أن ذاقوا الفقر والعوز، ولكن العودة ترتهن على عمل أبناء القرية كعبيد فى الوسية الجديدة، التى أصبحت ملكًا لريس المكن الذى يحيل توظيفه نصيًّا إلى الاستعمار الإنجليزى، الذى يقتات على خيرات البلاد، يقول الراوى:
"لكن التالحة من اليوم "وسية" لريس المكن ... (لـ)تكون .. "شونة" كبيرة، لتموين الجيش الإنجليزى فى الحرب"( الرواية ص 182). لقد تخلصت الأرض من "الجاز" لكن وكما يقول الراوى "بركت عليها سحن بيضاء، بشعور صفر وحمر، ومعهم من الهنود والسود خدم وحراس" (الرواية ص188) فأصبحت "التالحة" تحمل همًّا أكبر من الثقل الذى يحمله اسمها؛ "إذ يقال فى الصعيد لمن حمل شيئًا ثقيلاً على كتفه "تلحة" بفتح العين واللام والحاء، ويقول أهل التالحة إنها سميت بذلك؛ لأنها تحمل على كتفها الغربى الجبل، ومن ورائه الصحراء، أما كتفها الشرقى فتحمل ماء النيل".
العنوان ودلالة النص:
يمثل العنوان عتبة النص الذى يدلف عبرها المتلقى للخطاب، ويسهم تفعيله بشكل كبير فى إنتاجية النص، والسرابيل لغة مفردها "سربال" وهو القميص والدرع وكل ما يلبس، ويقال تسربل بالسربال أى لبسه.
ولم يتردد دال السرابيل فى النص إلا مرة واحدة وبصيغة فعلية منذ بداية تشكل سطور الرواية الأولى، فى قول الراوى/ المكان: "أنا التالحة أتسربل بحكاياتهم" حكايات أهل القرية الذين ذاقوا القهر على مدار تاريخهم الطويل، ليصبح المكان هو الراوى الشاهد.
كما ينسج النص عبر فعل حكى شخصيات الرواية عن تاريخ هذا المكان/ التالحة، وتاريخ شخصياتها المتجذرة فى أرضها، الذين ينسجون من تاريخهم المحكى ما يرتقون به أحلامهم وآمالهم، فأهل التالحة يمضغون الحكايا لمقاومة الفناء والموت الذى يحيط بهم يستمدون منه القوة التى تعينهم على البقاء، مثلما كانت شهرزاد تهرب من الموت بحكاياها المتجددة التى ضمنت لها استمرار بقاء حياتها.
التوالد الحكائى:
يتشبع النص بالبنى الحكائية التى تتدافع، وتندغم مع بنية النص السردى فى جديلة محكمة، تؤكد على توارث القهر عبر الأجيال المتعاقبة على خط الزمن، لتكون تلك البنى الحكائية المُستدعاة عبر تقنية الاسترجاع، وتفعيلها نصيًّا بمثابة ترجيع للصدى الدلالى للخطاب الآنى. وتعد حكاية الأرض النافرة فى القرية التى جاءت على لسان والد "السَخِل" – أحد شخصيات الرواية – من أكثر الحكايات التى أضاءت جنبات النص، إذ كشفت عن تاريخ القرية المكرور، حيث عالم الوسية وتراوحه بين رحى القمع والمقاومة، يروى الأب عن أبيه لابنه "السَخِل" الذى سأل عن سبب ارتفاع الأرض النافرة، يقول :
"كان إذا مرت "تجريدة" (الحملة العسكرية فى العصر المملوكى كانت تسمى تجريدة) من المماليك "بالتالحة"، فى طريقها للحرب فى بلاد السودان، يختارون هذه الأرض للراحة، وكانت أيام تعب سوداء على "الخلق"، لم يكن فى أى "شونة" "رفطاو" قمح، تملأ به الحريم بطون العيال الجوعانة، يا مولانا كما خلقتنا...أخذ جده حربة، ونزلوا على المماليك فى عز النوم، وقالوا بعد ذلك ليلة الذبح... ولما ذبحت البلد المماليك، دفنتهم فى مكان معسكرهم، ثم جاءوا بالتراب من كل زرعة، وردموا عليهم، نفرت الأرض، وارتفعت للسماء بقدر نخلة، وبنوا وسطها مقامًا سموه "الشيخ أبو طربوش" (الرواية ص15،16،17).
ويكشف السرد لاحقًا، أن جد "السَخِل" المسمى "حمود"، لم ينجُ من قهر الباشا الكبير جد الملك، الذى شُنق على البئر بواسطة عسكرالباشا، الذين كانوا يأتون "للتالحة" لجمع أهلها للسخرة أو الجهادية، ولم يجد أهل القرية سوى عبور مخرق الجبل إلى الصحراء، حيث البئر التى استقر حولها المتسحبين، مثلما استقر حولها الأهالى فى حاضر السرد، هروبًا من الخراب الذى عمّ القرية، دون أن يعلموا أن الموت الذى يفرون منه يسبقهم للبئر، المكان الشاهد على القهر، فالبئر التى تعد مصدرًا للماء والحياة لمن يمر بالصحراء، تستحيل روائيًا علامةً على الموت والقهر والابتلاع، فقد شُنق عليها من قبل جد السَخِل، ثم "أبونا" راعى الكنيسة فى القرية، الذى جاء ورائه الإنجليز لاتهامه بقتل ضابط إنجليزى من خمس عشرة سنة مضت، حتى نسجت المخيلة الشعبية حوله حكاية تقول: إن من يشرب من مائه يظل طوال اليوم يلطم وجهه.
ينجدل حكى الشخصيات ويتقاطع فى بؤرة الحديث عن الموت، وما أصاب "التالحة" على مر الأزمنة من قهر القوى الاستعمارية، فعندما تنظر "سَبَلَة" – الذى يحمل اسمها فألا حسنًا – لجثمان "أبونا"، تحكى "للمِشَخْلَعَة" زوجة "السَخِل" وابنة العمدة عن خطيبها "مسري" الذى كانت تنتظره، ولكنه مات فى النهر وعاد ليدفن بجوار البئر، تحكى لها أنه يأتيها فى المنام "مرة تراه على الجبل ينادى، لكن صوته لا يصل إليها فإذا صعدت "الجبل"، رأت السيل هاجمًا فتنزل هاربة، ومرة تراه فى "الجبّانة" يمشى، فى يده صلبان، يقف فى كل مرة ويغرس صليبًا، يمشى وراءه كل أقاربه، الذين ماتوا منذ ماتت جدتها "قيصوم"، إذا انتهى، دخل الناس قبورهم، ويغادر الجبانة، لا يرجعه بكاءها، وفى الصبح تذهب إلى قبره، فترى طيف "ريس المكن" فوقه، ينظر إليها وللقبر، يمد لها يده، فتجرى منه إلى خيمتها تبكى"(الرواية ص167). لقد كانت "سَبَلَة" ترى دومًا طيف "مسري"، وهى منتظرة إياه كأنه "نوح" يوم الطوفان فى مركبة فى النيل، إلا إنه لم ينجُ، وأصبحت ترى طيف "ريس المكن" يجثم على قبر "مسري" فى إشارة إلى سطوته على المكان وناسه، فلم يبقَ فى التالحة سواه و شخصية "الحرمة الحمرا" الإنجليزية، التى يتعجب الأهل من ملابسها المتكشفة، والتى تستقر عند مقام "أبو طربوش" عند الأرض النافرة، التى شهدت قتل المماليك من قبل، فضلاً عن "المكن" الذى "يزعق" - كما يقول المؤلف - و يأتى صوته إلى أهل التالحة فى الصحراء مجاوزًا جبل الجن.
ويعلن النص فى هامش يثبته المؤلف أن "مسري" اسم لشهر الفيضان وهو الشهر الثانى عشر فى السنة القبطية، ومن يُسمى بهذا الاسم فى مصر، فهو إنسان يرجى خيره، ومن ثم يأتى موته نصيًّا فى النهر، إيذانًا بموت الخير وخراب التالحة باستيلاء الإنجليز عليها، وجعلها مركزًا عسكريّا ومقرًا للحامية الإنجليزية.
غرائبية الحكى المُضَمّن
يطل من السرد الكثير من البنى الحكائية الغرائبية التى تندغم مع بنية السرد الأوّلى فى علاقات تناصية تفاعلية تسهم بإضاءة النص، ويلاحظ أن هذا الحكى الغرائبى له بالغ التأثير على شخصيات الرواية، الذين يردون حكيهم إلى مرجعية توحى بمصداقية الحكى، ولا سيما وأن مصدر هذه الحكايات هى "سمهج" الجنية جدة "المشخلعة" وأم العمدة، فدومًا تحكى "المشخلعة" عن حكايات جدتها التى كانت تبثها لها، كحكاياتها عن الجن الذى يسكن الجبل، وحكاية "بيت الرجال الملائكة" الذى صار جبانة البلد وغيرها من الحكايات التى تربط السياق الواقعى فى النص بالمتخيل الغرائبى، ليمتزج العالمان فى الرواية امتزاجًا واضحًا بفعل إيمان أهل التالحة بالخرافات المتوارثة؛ فكثير من الأحداث فى الرواية يتم تفسيرها تفسيرًا خرافيًّا، كالحكاية التى بثها "السَخِل" لأهل التالحة، عندما استيقظوا على رؤية "الوزانة" مُعلقة على بئر السحبة؛ و"الوزانة" هى المرأة التى تزوجها العمدة وكانت على علاقة بريس المكن، وكان نساء التالحة يبيعونها ذهبهن بعدما عصف بالجميع الفقر والعوز. يجتمع "السَخِل" بأهل التالحة يحكى لهم أن نفرًا من الجن الكفرة، قد اجتمع على الجبل قبل شنق "الوزانة" يتدبرون فى أمر "الإنسية" التى سيشنقونها عند "البئر" قربانًا لربهم الجبل، وقد وقع اختيارهم على "الوزانة" التى جمعت الجمال والذهب على جسمها، وقد جاء "جنى" فى الليل "للسَخِل" على هيئة رجل، حكى له ما جرى للوزانة معهم، وأعطاه كل "الذهب" الذى كان على جسمها، وأعاده "السَخِل" لنساء "التالحة" الذين شكروا الجن (انظر الرواية ص197، 198، 199).
كما أن حكاية حلق "مسرى" الذى أهداه لـ"سبلة" قبل موته، قد أبرزت هذا الجانب الغرائبى فى الرواية، الذى بدأ يتمظهر سرديًّا وكأنه واقع، حيث تلاشى الخط الفاصل بين الواقع والخيال؛ فالحلق أخذ "سبلة" للأعلى وطار بها لتجوب التالحة وتراها برؤية عين الطائرBirds- Eye view رؤية بانورامية تكشف المكان بأسره، يقول الراوى:
"نظرت ( أى سَبَلَة ) إلى "الخيام" و"البئر" من فوق، رأت الناس بين "الخيام" نملاً يدب على الأرض، خوفًا من جنود، جاءت من كل أرض وبكل لون، وعسكرت فى "التالحة"، عندما صارت أعلى من الجبل، رأت "الجن" على "الجبل"، يلعب عيالهم "السيجة"، وحريمهم تمشط شعرهن بمشط أطول من "نخلة"، ورجال الجن ينظرون إلى الناس عند "البئر" مرة، وإلى الوجوه الملونة، التى عسكرت فى البلد، بعد أن خلصها "ريس المكن" من "الجاز".
- قرب يا حلق على "التالحة"
نزل بها، حتى تمكنت من رؤية "الحرمة الحمرا" وهى تجلس أمام "البيت الكبير"، بناه "ريس المكن"، بدلاً من "دوار العمدة" الذى هده "السيل"...لف "الحلق" بها فوق "التالحة عشر لفات، فى كل لفة ترى منها ما غيبته البيوت التى بناها الإنجليز، ورأت "قطر الجاز" ساكنًا تحت "الجبل"، يفرغه الناس من حمولته فى سيارات، تأخذه وتجرى إلى "المديرية"، ورأت مكان "الكنيسة" "مكنة" تزعق ..."(الرواية ص202،203).
تلك الرؤية الكاشفة، التى تستدعى حكاية البساط السحرى فى ألف ليلة وليلة، قد أسهمت فى كشف ما آل إليه المكان، الذى سعى "ريس المكن" إلى إعادة تشكيله مرة أخرى بما يتفق مع أغراض الدخلاء، ولا عجب هنا أن المؤلف قد استخدم الخيال المجنح، حيث حلق "سَبَلَة" الذى يأخذها ويطير، فى إبراز الواقع القبيح الذى أسهم فى تشويهه قوى سلطوية لا تنتمى للمكان، وهذا ما يجعل للخيال فى هذه الرواية أهمية بالغة، فتفعيله كان مثقلاً بالمعنى.
الوعى: رؤية ما لا يُرى
من أكثر الشخصيات التى أثارت بعض الأسئلة المعرفيةحول دلالة النص،شخصية "السَخِل" الذى تراءى مخبولاً منذ بداية تشكل النص، يختلق ذهنه شخصية "الساكت" الذى يتعملق أمامه كلما استجد حدث فى التالحة أو عمها الدمار، ينظر فى عينيه ولا يجد سوى الخراب، يكلمه ولكن لا يرد عليه، يكتفى بملاحقته أينما ذهب. وعندما نظر إلى بيته الذى طاله الخراب بعد الحريق،أبصر "الساكت" فوق بيته "يضع على رأسه "برنيطة" ينظر إلى المكن والإنجليز، يتحركون كأنهم نمل، وقد تغير وجهه "الأسمر"، صار وجه "الساكت" أبيض من "ريس المكن" (الرواية ص 118).
إن شخصية "الساكت" ما هى إلا تجسيد للعجز والرضوخ،الذى تعملق على مدار تاريخ "التالحة" المعتق بالقهر، ورؤية "السخل" له ما هى إلا بداية تشكل وعيه بمأزق اندثار هوية المكان والشخصية،أمام ثقافة "المكن" الذى أتى به الإنجليز لطمس معالم التالحة وهويتها بعدما طرودا أهلها منها. ويعلن السرد فى موقع آخر أن "الساكت" قد رآه جده "حمود" من قبل وهو معلق على صارى البئر مشنوقًا، هذا البئر الذى أصبح مآل "الساكت" نفسه الذى رآه "السَخِل" وهو مخوزق عليه، وتنتهى سطور الرواية وشخصية "الساكت" تمشى للوراء بعدما تخلص من خوزقته على صارى البئر لفترة من الزمن، كلما يمشى فى الصحراء يتعملق حتى يصير بحجم الجبل.
يملك "السَخِل" على الرغم مما يبدو عليه من مس وخبل،وعيًّا بحقيقة الوضع الذى آلت إليه التالحة بناسها. لقد كان مثارًا لسخرية أهل التالحة،عندما رأوه يقف بجوار البئر يميل بكتفه فى الهواء، كأنه يسند حائطًا من الوقوع، وعندما سألوه لاحقًا عن الشيء الذى يسنده، ردَّ إنه يسند الزمن حتى لا يقع، هذا المشهد يمكن قراءته فى ضوء مشهد رؤية العمدة "للوزانة" وهى معلقة فى
البئر، إذ يحرك جثتها فيتراءى له أنها تصدر صوت تكات الساعة، وكأن "السخل" أراد أن يوقف زمنًا مكرورًا من القهر والذل،الذى كانت "الوزانة" ضلعًا من أضلاعه فى تاريخ التالحة. ولعل اسم "السَخِل" الذى يوضحه المؤلف فى هامش له،يبرز الأمل المنوط لهذه الشخصية،بعدما نال المكان الخراب؛ فـ"فالجدى الصغير فى الصعيد يسمى "سخل" بفتح السين وكسر الخاء، وربما يسمى بهذا الاسم من يرجى عيشه، لموت من ولدوا قبله، وربما يكون الاسم لقبًا، لاتصاف الملقب ببعض صفات الملقب به".
الانغماس فى المحلية / تأكيد الهوية
يعمد المؤلف فى نصه للتأكيد على هوية المكان/ التالحة إزاء محاولة الدخلاء طمس الهوية،الى إغراق نصه بالكلمات المحلية التى تنبثق من بيئة شخصياته، الذين يمرون بتجربةطالما عايشتها الشعوب العربية على مر العصور، وهذا المسعى اتسق مع النمط الكتابى الذى جاءت عليه السرابيل حيث نمط القص الشعبى وتعدد الرواة والأصوات، والطريف أن الكاتب قد وظف الأشياء المكانية توظيفًا فانتازيًّا عندما جعل لها أصواتًا تعلق على الأحداث، من تلك الأشياء التى تمَّ أنسنتها: قطر الجاز، البئر، القبر، الميزان، النجمة، أرض السَخِل، الأرض النافرة، الماء، وغيرها كثير، وهذه الأشياء هى التجليات المكانية للراوية الأم / التالحة التى تتسربل بحكايا قاطنيها على مر الزمن، وهذا التوظيف قد اكسب السرد حيوية وعفوية بتشابكه نصيًّا مع حكايات التراث الشعبى.
لقد تشبع النص بكلمات عامية وضعها المؤلف بين علامتى تنصيص، فضلاً عن توظيف الأغانى والأمثال الشعبية النابعة من البيئة المحلية / البكر التى جاء توظيفها بمثابة نقش للهوية التى يُخشى من انسلالها من النفوس.

لقد تجاوزت رواية السرابيل الماضى المُستدعى ببعديه: القريب والبعيد لتنفتح على السياقات الراهنة بمستوياتها المختلفة، ولتتصادم بالواقع الحاضر حيث القوى السلطوية التى تتلبس عشرات الأقنعة، فى مسعى دؤوب لتحويلنا إلى مجتمع "وسية" بشكل حداثى.








السرابيل نوقشت في اطار صالون الدكتور العشماوي

يوم الأحد الموافق 26/7/2009م.
رواية
*****




محمد الناصر
***

مقدمة



******
منذ جاء الانجليز "بقطر الجاز"، وفي كل نهار وليل، يكبر جبلي ويصغر في عيون الخلق، بقدر ذراع "السخل""1" اذا شد لجام البقرة، وتتسع صحرائي وتضيق، بقدر "فرجحة" "المشخلعة""2" أمام "مجور""3" جدتها، الذي عجنت فيه ما عرفته، مما حكي الخلق قبلها، من قبل طوفان نوح، وحتي آخر سيل هجم، لم يفلح في خلع نخلي وشجري، و"سبلة""4" تنصت للماء، علها تسمع "مسري""5" قادما فوق مركبه، وأنا "التالحة""6"، أتسربل بحكاياتهم، منتظرة في كل "حول"، يوم زحامهم عند "أبوطربوش" .

شوال 1353ه
يناير 1935م




ــــــــــــ
1ـ الجدي الصغير في الصعيد يسمي "سخل" بفتح السين وكسر الخاء، وربما يسمي بهذا الاسم من يرجي عيشه، لموت من ولدوا قبله، وربما يكون هذا الاسم لقبا، لاتصاف الملقب ببعض صفات الملقب به .
2 ـ "المشخلعة" بكسر الميم وفتح الشين وسكون الخاء وفتح اللام و العين، هو عقد كبير من الذهب، غالي الثمن، و قد تسمي المرأة بهذا الاسم ،لمعزتها عند أبيها، أو لجمالها، أولأصلها العريق
3 ـ فتح الميم وضم الواو، اناء فخاري كبير الحجم، يعجن فيه الدقيق من أجل الخبيز 4 ـ يقال في الصعيد لسنبلة القمح "سبلة" بفتح السين والباء واللام ، وهو اسم للفأل الحسن .
5 ـ هو الشهر الثاني عشر في السنة القبطية، يأتي بعد شهر "أبيب" وهو شهر الفيضان ، ومشتق من الفعل القبطي ميس، ومن يسمي بهذا الاسم في مصر، فهو انسان يرجي خيره.
6 ـ يقال في الصعيد لمن حمل شيئا ثقيلا علي كتفه، "تلحة"، بفتح التاء واللام والحاء ، ويقول أهل "التالحة" إنها قد سميت بذلك، لانها تحمل علي كتفها الغربي الجبل، ومن ورائه الصحراء، أما كتفها الشرقي فتحمل ماء النيل.
















كتاب "النبــق"



****



بابة "العشية" "1 "



**********
يذوب خوار البقرة في صوت عريهما، يسترهما، فلا يصل الي البيوت المجاورة ، لما أنهت خبيزها، كلمتها نار الفرن التي بدأت تخمد، كلامها لون خدودها، أرادته، فغوته، فانكفأ عليها، غير عابئ بحيائها الذي تبعثر علي جسده، ما قدرت عليه، أن ارتمت علي الفرن الدافـئة، و"تركت له الحبل علي الغارب"، يشده ويرخيه، يربطه ويفكه، وهي تدعو في سرها، أن لا يخرس الله البقرة، وأن يرتفع صوتها هذه "العشية"، أعلي من نباح الكلبة، التي سترتهما من قبل عند الساقية، يحذرها دائما من غوايته، تضحك ، فيصير عود كبريت، حكته فاشتعل.
الفرن الدافئة أسفل ظهرها، تغلب برد "طوبة""2"، تزيد اشتعال جسدها العاري، فيصرخان مثل زوجي "قمري""3"، طارا ولم ينتظرا النزول، فاشتبكا، ولا يقدر علي فكهما الا خالق القمري.

الــفــرن : يا قائمة الفجر يا مصلية ، راح "الخشي" وقت "العشية"، أركبتي فوقي العفاريت، كأنها "جدي""3" جارتنا فوق "ربعية""4"

الـبقـــرة : يا نعجة يامستلقية، ويا كلبة ياجالسة، ويا حمارة التي لم يأت "عدلها""5"، قولوا لناقص "الخشي"6"، صوتي الساتر بح، من اليوم أخاف علي الفرن "الحبل"7".

الطوريـــة:"8 " (تكلم نفسها) حق "للسخل"، عندما رفعني في "هاتور""9"فنزلت علي الأرض قوية، أشقها بقسوة، نبتت في الشقوق "سنابل"، رأيتها "الصبحية" تتمايل مكايدة برد "طوبة"، الذي لم يفلح في أن يبقيها في الشقوق.

نهض، لملمت عريها، لبس "الجلابية"، ملأ عينيه من وجهها، عاد للوجه خجله، بعد أن غادره وطار، حام فوق البيوت، يطمئن علي نفسه فوق خدود البنات، وعندما رأي "السخل"، يتركها مرتمية فوق الفرن، ليركب سطح البيت، قال "الخجل" لنفسه عد الي خدود "المشخلعة " بنت العمدة.
ــــــــــ
يشعل علي السطح "بص""10" "الجوزة""11"، يري الشمس ذاهبة لحالها في الصحراء وراء الجبل ، والأنفار الذين يملأون "قطرالجاز""12" المستقر بين الجبل والبلد ، بدأوا العودة الي البيوت، تسقط الشمس الغاربة من أعلي الجبل علي القطار، فتنزلق علي بيوت "التالحة" حتي تصل الي الزرع فتلونه ، تمر علي "مقام أبوطربوش" الساكن في"الأرض النافرة" لتستقر فوق "البحر""13"، تكشف "الساكت" الرابض علي الماء، وجهه بقدر اتساع ضفتيه، يتسلل اليه من بين دخان "الجوزة"، فيحاول الانشغال عنه بالنظرالي "قطرالجاز"، والأنفار الذين عادوا، وبدأوا في الاختفاء بين البيوت.

دخان الجوزة : أنا الدخان، أعشق"كركرة""14" ماء "الجوزة"، أخرجني من صدرك، لأنتشر بلا خوف أمام عينيك، فيصبح الجبل طيفا، والقطار خيطا أفقيا مستقراً تحت الجبل، وتذوب خضرة الزرع بلوني، أما الصحراء التي أخفاها الجبل، فيغيب عن "نافوخك""15" لونها ، ولا يحضر غير وجه "الساكت" الرابض علي "البحر" لا يكلمك.
في المرات التي شارك فيها العمال تفريغ "قطرالجاز"، كان
"ريس العمال" ساكن المديرية، يتحدث دائما عن "عمايل""16" الجاز في الليالي المظلمة، عندما تشعل أصابع الحريم "لمض العويل""17"، تشتعل عيونهن، ليعلم الرجال أن الوقت حان.

لمض العويـل : عندما تقترب مني أصابع الحريم، أشفق علي الجاز داخلي، وقت اشتعالي هو وقت احتراقه.

القطارالمستقر بين الجبل والبيوت ينتظر الفجر، كي يغادر تاركا رائحة "الجاز" تملأ البلد، و"ملاليم""18" "تشخلن""19" في جيوب جلابيب
تكفي بالكاد حتي يعود القطار بعد أيام، يطلب التخفف من حموله.
شعر بها علي السطح، شدها من يدها، جلست، تعيد اشعال "بص الجوزة"، وشمس "العشية" علي وجهها، تذكره بجنية جدتها "سمهج""20"، التي كان وجهها المشتعل، يغوي الرجال في الليالي المظلمة، لطالما مشي علي الجسر في ليال أسود من شعر امرأته، يبحث عن جنية جدتها، لكنه أيقن بعد زمن، أن الجنيات لا يوجدن
الا عندما يكون رأس امرأته مسندا علي فخذ جدتها، تبحلق في السماء، و"حنك""1" "سمهج" لا يكف عن الكلام.

بص الجوزة : يشعلني نفخ "المشخلعة" لي، فأشعل المعسل في "جوزة" رجلها، وكلانا لا يشبع من الاشتعال.

يري "الساكت" من بين دخان الجوزة، جالسا فوق "البحر" ،مسندا ظهره للبر الغربي، يسألها عنه، تضحك من خرفه الذي أيقظته رائحة جلدها، واذا ضحكت، يضحك الجبل والقطار والزرع وبحر النيل، حتي الصحراء المختبئة وراء الجبل يسمع لرمالها ضحكا، و"الراديو" الشغّال ليل نهار في دوار أبيه، وسقف البيت يهتز تحته برقة.
يحدثها عن "البنيّة""23" التي صادها قبل دخلته بها، خرجت من الماء "تبلبط""24"، أمسكها بقوة، صرخت، شكت للماء قسوة يده علي جلدها، فهي من السمك، الذي اذا قست عليها يد صيادها، 21ـ فم 22ـ بكسر الباء وسكون النون ، و كسر الياء المشددة ، نوع من سمك النيل كبير الحجم جميل المنظ 23ـ تتحرك بعشوائية في الماء محاولة التخلص من السنارة
صرخت وتأوهت، اذا ارتخت قبضة يده، انزلقت من بين أصابعه،
وعادت للماء، فيلعن صيادها قلبه الذي رق، ولما عادت للماء، غاصت ثم خرجت تقفز في الهواء، تهز ذيلها وتكايده، فحلف يومها ألا يعود حتي يصيد "بنيّة"، ظل في مكانه علي "الشط""27" من الظهر حتي المغربية، لما غمزت سنارته، خرجت من الماء "بنيّة"، نظرة عينيها تشبه نظرتها، فكها من السنارة، تركها للبحر، كرامة لست البنات التي قرب موعد دخلتها.
تعاتبه علي "الفرن" التي كادت أن تنهد أسفلها، تعبت هي و"سبلة" في بنائها، تلتصق به، تحاول أن تري بعينيه، فلا تجد غير"قطر الجاز"" تحت الجبل، وشمس مايزال لها في الدنيا حاجة، وزرع وبيوت، وبحر تري ضفته الغربية، قد بدأوا في الغياب، ورجل علي سطح بيته مع امرأته، تتهكم في دلال علي عقله الذي يري أشياء، لم يرها قبله انس ولا جان، تفرد كفها، تملأه بمطر "طوبة" ثم تسقيه .
ـ مطر طوبة يخلي العجوزة "كركوبة""26"
ضحك من كلامها ، نظر الي "بص الجوزة" الذي أطفأه المطر،
ــــــــــ
والي النخلة وسط البيت ، حان موعد "تقليمها""28"، وحدثها عن "الخوخ" الذي سيغرسه في ماء "طوبة".

ــــــــ
1ـ استخدم "ابن دانيال" كلمة "بابة" في حديثه عن مسرح خيال الظل، الذي أجاد فيه في العصر المملوكي ، فقال : "بابة طيف الخيال "، و"العشية" بفتح العين، وكسر الشين، وتشديد الياء ، هي الساعة الأخيرة من النهار 2ـ بضم الطاء وفتح الباء ، هو شهر قبطي شديد البرودة 3 ـ بكسرالقاف وسكون الميم ، طائر يشبه الحمام لكنه لا يربي في البيوت وأصغر حجما ، ولونه غامق
3ـ ينطق في الصعيد بفتح الجيم وكسر والدال ، وهو ذكر الماعز ، وصغيره في الصعيد يسمي السخل ، بفتح السين وكسر الخاء 4ـ كسر الراء وسكون الباء ، أنثي الماعز صغيرة السن التي لم تلد 5ـ العدل بفتح العين والدال وسكون اللام هو الزوج ، والمعني لم تتزوج 6ـ بكسر الخاء و فتح الشين ، الحياء 7ـ الحمل قبل الولادة ، وتنطق بفتح الحاء والباء 8 ـ بضم الطاء ، هي الفأس وهي آلة يدوية لحرث الأرض 9ـ شهرقبطي يزرع فيه القمح
10ـ فتح الباء وسكون الصاد ، جذوة النار 11ـ ضم الجيم والواو وفتح الزاي ،آلة لتدخين نوع من التبغ "المعسل" 12ـ قطار لنقل نوع من الوقود هو الجاز 13ـ يقال في الصعيد للنيل " البحر " بفتح الباء و الحاء 14 ـ فتح الكافين وسكون الراء الأولي وفتح الثانية ،وهو صوت الماء في الجوزة عند التدخين 15 ـ الدماغ
16ـ أفعال ، وهي كلمة تستخدم للتعبير عن الأعمال المدهشة ، أصلها أعمال 17ـ "لمض" بضم اللام و فتح الميم ، و"العويل" بفتح العين وكسر الواو ، نوع من المصابيح الريفية ، يتكون من فتيل مثبت علي صفيحة ممتلئة بالجاز ، و لا يحيط الفتيل زجاج ، واللمض التي لها زجاج تسمي لمض نمرة عشرة ، ولمض نمرة خمسة 18ـ المليم عملة نقدية معدنية صغيرة ، لا يتم التعامل بها الآن في مصر ، وخمسة ملاليم تكون تعريفة ، وعشرة ملاليم تكون القرش 19 ـ صوت احتكاك الملاليم المعدنية مع بعضها في الجيوب 20 ـ يسمي العرب الريح اللينة " السمهج"، واذا تسمت به المرأة فمعناه الحسن
26ـ شاطي النيل أو الترعة 27ـ تصف المرأة العجوز بالكركوبة في الصعيد كناية عن ضعفها و خلوها من مظاهر الشباب

28ـ تقليم النخل أو الشجر في الصعيد هو قطع اليابس من جريده أو الزائد عن الحاجة










بابة "البلجة""1"



**********




يكبّر المؤذن فيصحو الفجر، تنفتح عيون الساكن بجوار امرأته، ينظر الي جسدها الذي تعري، تمتزج تسبيحاته التي حفظها عن أبيه، بتكبيرات الفجر الأخيرة، والماء البارد يطرد ما تبقي من نعاس.
تكبيرات صلاته توقظ النائمة، تخجل من عريها، تعيد قميصها فوق ما تعري من جسدها، وتتجه الي "الزريبة""2"، تهيئ "البقرة" للذهاب.
جاء مولد البقرة مع السيل، الذي هدم البيت الطيني منذ سنوات، وبعد أن حكي أبوه حكاية مركب نوح، التي دائما يسمعها مع كل سيل يهجم علي البلد، أراد أن يبني البيت بحجارة الجبل، لعله للسيل يصمد، ذكرته امرأته "العنود""3"، ببيوت البلد المبنية من حجارة الجبل، حجارتها في آخر سيل كانت قدام الميل "تكرت""4"، السيل لا ينفع معه طين أو حجر، لكنه "ركب دماغه"، وكانت أياما "ضنا"، كان "السخل" يركب الجبل الفجر مع أبيه، يكسران الحجارة، تحملها الحمير، وينزلان، اذا ما رآهم أبوها العمدة، يحلف أن الجبل من أملاك أبيه، فلولا طمع الباشوات والملك، ما كان يسمح لأحد أن يأخذ منه حجر، يحتمون بمعسكر الانجليز في البندر، الذي مازال يملأ خمارات "جرجا" بالعساكر السكرانة، تجعل الخمر وجوهم الحمراء كأنها جهنم، وبعد أن جمع أبوه من الحجارة ما يكفي، نام، ثم صحي وهو يصرخ، يمسك رأسه بيده، بسملت "العنود" وهي تحضن رجلها، استعاذت من الشيطان الرجيم قال لها وهو يبكي، انه رأي في المنام جنيا يطير فوق الحجارة، ثم يهبط، يأخذ حجرا ويطير، يقول له ان حجارة الجبل للجبل، ويطلب منه أن يبني بيته بالطوب، وبّخ "أبوالسخل" الجني في المنام، فحرك الجني جناحه، دار الهواء، ودار "أبو السخل" حول نفسه، وفي الصبح، قال لولده نبني "الجامع" بالحجارة، ونبني البيت بطوب "الأمينة""5".
عندما دخلت "الزريبة" ألقت علي البقرة الصباح، ردت البقرة بخوار يناسب الحال، وهي تهيؤها للذهاب، كررت تحذيراتها الفجرية، من العفاريت التي تسرع الآن في العودة، قبل أن تلحقها الشمس، فتشوي جلدها، هو غير جلود الناس والبقر، وأن تسرع السيرعندما تمر بنخلات "الغاوية"، حتي ينجو رجلها، ملعونة "الغاوية" في فجره ومغربه.
شدت أذن البقرة بقسوة كي لا تنسي، و"طبطبت""6" علي ظهرها، عندما أنهي صلاته ، حمل "صرة الأكل" و"الطورية"، ركب البقرة، فدعت له بالعافية .

الــبقـــرة : يا مقوي البقر علي الناس، اجعل "السخل" يعود الي "بابور""7" المشخلعة "كبّاس".

خرجت البقرة ساكنة الذيل، تشق طريقها بين بيوت، تبدو كأشباح في "غبش" الفجر، متجهة الي الزرع بين البيوت والبحر، يتوسط الزرع الأرض "النافرة"، عندما سأل أبيه عن سبب ارتفاعها، حكي له عن زمن، كان اذا مرت "تجريدة"8" من المماليك "بالتالحة"، في طريقها للحرب في بلاد السودان، يختارون هذه الأرض للراحة، وكانت أيام تعب سوداء علي "الخلق"، لم يكن في أي"شونة""9"."رفطاو""10" قمح، تملأ الحريم به بطون العيال الجوعانة ، يا مولانا كما خلقتنا، ولولا بقية حياء، كانت الحريم قبل الرجال، قد رضين أن يأخذ المماليك جلاليبهن، ويتركون الخلق في الأرض بين الجبل والبحر، يخصفون علي عوارتهم كأنهم آدم وحواء، يوم ضحك عليهم "ابليس" في الجنة، لكن البلد في سنة كرهت المماليك، ودار جده "حمّود" علي البيوت، يلعن اليوم الذي نزلت فيه البلد أقدام المماليك، ويلعن نفوسهم "الواطية"، التي ترضي بقعدتهم، آكلين شاربين، كأنهم تنابلة السلطان، والمماليك لم يكن لهم في هذه الايام سلطان، يقولون انهم يحاربون الكفار في بلاد السودان، "كفار تحارب كفار يا ناس" !، أخذ جده حربة، ونزلوا علي المماليك في عزالنوم، وقالوا عنها بعد ذلك ليلة الذبح، بعد سنين أعجبت الباشا الكبير، طريقة "جدالسخل" في ضيافة المماليك، وقال ان "حمّود" رجل عظيم، ثم جمع المماليك في القلعة، وذبحهم كأنهم جديان "يوم الضحية""11"، رحمة الله علي الباشا الكبير "ما خلفش يا ولدي"، أولاده ركّبوا الانجليز البلد، والانجليز لا يقدر عليهم الا خالقهم الملك بجلالة قدره، "شرّابة خرج" 12"عندهم، هم البلاء سلطه الله علي الظالم التلفان، أوصاه اذا رأي في المديرية "باريه""13" انجليزي يمشي في سكة، أن يحود الي سكة غيرها.
ولما ذبحت البلد المماليك، دفنتهم في مكان معسكرهم، ثم جاءوا بالتراب من كل زرعة، وردموا عليهم، نفرت الأرض، وارتفعت للسماء بقدر نخلة، وبنوا وسطها مقاما، سموه "الشيخ أبوطربوش"، لأن للملوك منهم كان له "طربوش"، كأنه "قمع""14" كبير، اذا رآه جده "حمّود" ضحك، للطربوش ذيل من الخلف نازل لوسط المملوك، من يتجرأ ويلمسه من ناس البلد، قل عليه يا رحمن يارحيم، ثم زرعوا "الأرض النافرة" "نبق""15"، أيام غبراء، تلتها أيام غبراء، وكأن أرض "التالحة" لا تطرح غير البلاء، وعفاريت وجنيات "سمهج".
ويتعجب من كره أبيه للماليك، فالربابة في مولد "أبو طربوش" اذا حكت عن المملوكين "قطز" و"بيبرس"، سكت الناس كأن علي رأسهم "الزرازير""16"، وكأنهما الهلالي سلامة، "الربابة" تقول ان المماليك كانوا سيف الخالق، لما هجم الكفرة المغول، وهجم الفرنجة قبلهم علي البلد، قال له "شيخ الجامع"، ان ذلك كان في وقت موت الملك زوج "الشجرة""17"، لأن الملك التاسع""18" نذر، لو شفاه الله، سيغزو الشرق ليصلي في كنيسة القيامة، وكأن الصلاة لاتصح الا بالحرب، وأن "التاسع" جاء للكنيسة يصلي ومنعه المسلمون، لكن أجداد المماليك كانوا مثل "الباشا الكبير"، لم ينجبوا رجالا، تمشي علي سيرتهم.
البقرة في الفجر صامتة دائما الا عند بيت "سبلة"، كأنها "مسري" اذا مر بعد غياب أمام بيتها "يتنحنح"، فاذا طلت من "الطاقة""19" يعدل عمامته، و يمشي مبسوطا، يحكي "للسخل" حرقة السفر في المركب الي "مصر""4"، لا يملك الا الصبر، يتوسل بستنا العذراء، أن تكفيه لسان أمها اذا سافر واذا عاد، كانت وأمه يحبان رجلا، من لطف الله عليه يا "السخل" أنه مات في سنة الطاعون، لكن الحريم حريم حتي لو شابت، ماتت أمه، ومازالت أمها لا تطيق سيرتها، "سبلة" اذا ارادت مكايدته تتعجب من المسكينة أمه، "لامال ولا جمال، ولها في الحب يا خال!"، أمها كانت تقول له، اذا زارهما بعد غياب، إن أبو "سبلة" قبل أن يموت قال لأبونا، "لو يرجع صغيرا، ويدخل علي أم "سبلة" من جديد، يضحك "مسري" من كلامها، لكن يوافقها علي قولها، فتضحك "سبلة" وهي تصب له الشاي، وتتركه في حالة لا يعلمها الا الرب، فلا يجد المسكين غير "السخل"، يحكي له عن الذي دار بينها و بينه، لكن "السخل" يكون مشغولا بالتفكير في بلوته، ذلك "الساكت" الذي صار يراه كل يوم، لن يحكي عنه، سوف يفرج الخلق عليه، بالكلام عن خرفه، لكن عندما كان يحود "مسري" في الكلام علي "بنت العمدة" التي تلبس مائة "حجل""21"، كان وجه "المشخلعة " يحضر، فيطرد "الساكت" من دماغه.
برد "الفجر" يجعل البقرة تسرع في مشيها، كأنه وقت "القيّالة"221" في وقت "المعيلة"، عندما كان يهرب من لسعة التراب الحامي، علي رجله الحافية، يجري علي تراب الجسر الذي يكاد يشتعل، حتي يصل الي ظل شجرة، عندما تبرد رجله، يعاود الجري، حتي تقابله شجرة، اذا رآه أبوه ضحك، وسأله عن "مركوبه"، فيصمت،
"مراكيب جهينة"23"الورق، لا تبقي في رجله أياما وتذوب، باشوات المركز والانجليز، الله يسترهم، لم يتركوا في بيوتهم مليما أحمر،الذي كان يملك ثمن مركوب جلد، كان يخاف عليه من التلف، فيمشي حافيا، واضعا المركوب تحت ابطه، فاذا دخل المديرية وضعه في رجله، قبل أن يقوم الناس سنة 19، بعد أن أخرج الانجليز "سعد" وأصحابه من البلد، وقامت الحرب الكبيرة، وضعوا أيديهم علي قطن البلد، نزل السعر، وكانت مصيبة، كان أهون علي "الخلق" أن يحرقوا القطن، ولا يأخذه الانجليز بتراب الفلوس، يشترون به بندقيات للحرب، تلعن "خشومها""24" أجدادهم، اذا ما أخفوا عمامة أزهرية، أو رأس تلميذ عريانة، هربت من الحكومة، بعد مظاهرة في "البندر"، لم يجد مكانا أبعد من "التالحة" للاختفاء.
بعد سنة 19، طلب الانجليز من السلطان، يبحبح علي الناس، لكن يا مولاي كما خلقتني، مر زمن، ناس في البلد كان نصيبها مراكيب جلد، والباقي انتعل مراكيب ورق، ولولا "المشخلعة" لكان "السخل" ظل حافيا، "بنت العمدة" لا يليق بها الحافي، والرجل التي تتعود علي الحفاء، لا ترتاح في "مركوب" ورق أو جلد.
آن للراكب من منزل، أشرقت الشمس، ارتمت "البقرة" علي الطين الذي جف، غاظته، كأنها شقيت طوال اليوم، وكل ما فعلته، هو مشوار البيت الي الغيط.
نظر الي"الديسة""25" التي تنتظر القلع، كي يخلص جذور"الفجل" من "عبئها""26"، استعاذ بالله، خلع "الجلاّبية" تفل في يده، ونزلت "الطورية" تشق الأرض.

الطــوريـة : أخرق الأرض، فيأذن الله لها بالولادة، لكن"طوبة" هذا الموسم، غير كل المواسم.

خرج من الأرض رجال وحريم، يطوحون أجسادهم علي طبل "كودية""27"، ينادون الله، فتزداد أجساد الذاكرين تطوحا، يخرج من الأرض، عبد أسود من "قعر حلة"""28"، لها سنوات فوق دخان نار "الكانون""29"، تجري أمامه امرأة، هربا من كرباجه، الذي يشق جسدها شقا، ووراء العبد رجل يشتمه، يلومه علي "خراعة""30" ضربات كرباجه، يضرب الرجل العبد بعصاه، فيهوي كرباجه علي المرأة، يختلط صراخها بأصوات المنشدين، و"السخل" المكفي علي فأسه، يعجب مما يري، اعتدل، نظر الي البقرة، رآها مستقرة علي جنبها، تهز ذيلها، لا يشغلها ما يراه صاحبها، ويري أعمدة التلغراف، يتدلي منها حبال، تحيط برقاب أجساد تدلت ساكنة، فلا ريح اليوم تطوحها ، يمد يده للذاكرين، لا يجد في كفه غير الهواء، يناديهم فلا يلتفتون، يقترب من المرأة، لم يكن للدم علي وجهها رائحة، ولا للذهب الذي يحيط برقبتها بريق، يغضب، يلوح بيده غير عابئ بوجودهم، يختفون.
تعود "الطورية" لقلع "الديسة"، يلقيه"للبقرة"، تمضغها ببطء، كأنها "امرأته" عندما تأكل، تحط "قمرية" علي ظهرها، ترفع ذيلها، فتطير، تمر بالقرب منه، يلامس جناحها وجهه، تتجه ناحية شجرة "النبق" وتسكن علي فرع.
شعر بالجوع، فتح "الصرة"، وجد "زبدية""31" "بليلة ""32" باللبن، يشعل ناراً للشاي، يحب مذاقه مختلطا بدخان أعواد القطن، التي يبست منذ قلعها في "توت""33"، يكره شاي "البابور أبوكباس"، منذ جاءت به امرأته في جهازها، لم يكيفه شايه، ويحرمه من رؤية عينيها مملوءة بالدمع من دخان "الكانون"، يري عينيها كبئر امتلأت بالماء حتي فاض، يدعوه للغرف منه بنهم، فاذا كان يفتل حبلا، يطول الحبل بقدر جلستها، وخير الحبال وأمتنها، ما يفتله عندما تكون مستلقية علي الحصير قدامه، تاركة شمس الشتاء، تسرح علي جسمها من غير لوم.
قبل دخلته بها كان "عجلا""34"، اشتكي منه طوب الأرض، حتي العجائز كانت تخشاه علي نفسها، جعلت منه "المشخلعة" "تريقة" "مسري" وزبائن "غرزة""35" الجسر، علي العجل الذي صار نملة، تمشي من الغيط للبيت، لكن ملمس جلدها علي جلده، يفعل به الأعاجيب، سألها عن السبب، قالت: "هو جلد طيب، تشمه وتخرقه بكلمة الله"، يوم ولدت، غسلوا جلدها بالمسك ودعكوه "بالعنبر"، لم تفعل الداية ذلك مع أي بنت من بنات البلد، أمسكت بها، دلدلتها من قدمها، نفخت بين فخذيها، دعت لله ألا يخرج من بينهما الا من يسبح الله ليل نهار، لكن الذي خرج لم يطق الحياة شهوراً، ومنذ عشر سنوات، لم يخرج من بينهما من يبكي عند النزول.
يضع "الكنكة""36"، يصاعد الدخان، يضم أصابعه عليه، ثم تنفرج، فيتسرب الدخان.
خلق الله الدخان، ثم صار الدخان بكلمته أرضا من ماء وهواء، وخلق آدم من طين، وخلق قبله ابليس من نار.
أنهي الشاي، نظر الي البقرة الساكنة علي الطين اليابس، والي "القمرية" التي تسكن علي شجرة "النبق"، يرد العوافي علي المارين به، و"الطورية" في يده، عادت للصعود والهبوط
1ـ وقت الفجر يسمي عند العرب البلجة 2ـ حظيرة الحيوانات الأليفة 3ـ "العنود"من أسماء العزال، وهو من الأسماء الحسنة التي تسمي بها المرأة العربية 4ـ يقال في الصعيد للحجر الذي يتدحرج "يتكركت" بفتح الكافين وسكون الراء .
5ـ قمبنة حرق الطوب 6ـ ربتت 7ـ يسمي الوابور في الصعيد "بابور"، وهو موقد معدني يشتعل بالجاز، بعد ضغط الهواء به بذراع معدني يسمي "كباس"، فيسيل الجاز نتيجة للضغط في موضع الاشتعال 8ـ الحملة العسكرية كانت تسمي في العصر المملوكي "تجريدة" 9ـ مخزن للحبوب والعلف 10ـ بضم الراء وكسر الفاء ، وهو وحدة كيل للحبوب 11 ـ عيد الأضحي 12 ـ تعبير شعبي يعبر عن حقارة الشأن 13 ـ قبعة عسكرية، ظهرت في بدايات القرن العشرين ، أوربية المنشأ ، ثم استخدمها الجيش المصري

14ـ قطعة صفيح مطوية ، لها طرف ضيق و طرف متسع ، تستخدم لصب السوائل في الأواني ضيفة الفوهة ، ومع ظهور مصانع السكر ، ظهر قمع السكر ، وأيضا ظهر قمع من الحلوي يعرف بقمع "الجلاب" 15ـ بفتح النون والباء ، شجر كثير الشوك ينمو في الالب عشوائيا ، علي شواطئ الترع ، له ثمر جيد المذاق وهو شجر "السدر" 16 ـ نوع من العصافير 17ـ شجرة الدر زوجة الملك الصالح نجم الدين أيوب التي أخفت موته حتي هزيمة الصليبيين في المنصورة 18 ـ الملك لويس التاسع ملك فرنسا ، قائد الحملة الصليبية والذي أسر في المنصورة 19ـ فتحة في البيت تكون قريبة من السقف لدخول الشمس والهواء
20ـ القاهرة 21ـ كسر الحاء والجيم ، حلقة من الحديد أوالفضة أوالذهب تحيط بها المرأة في الصعيد ساقها أعلي القدم ، بغرض الزينة 22ـ وقت الظهر صيفا 23 ـ أحذية من الورق المقوي ، تصبغ ، كانت تصنعها قري جهينة التابعة لمديرية جرجا 24ـ يقال للفم في الصعيد خشم بفتح الخاء وكسر الشين ، والمقصود فوهة البنادق . 25ـ نوع من الحشائش ينمو عشوائيا يضر بالزرع 26ـ الملتصق بها من أعشاب وطين 27 ـ منشد و طبال الزار ، الذي يقام من أجل ابعاد الجن و العفاريت من الجسد 28ـ قعر الحلة هو قاعها ، لكن يقصد به قاعدتها التي تسود من دخان الموقد أسفلها
29 ـ موقد ريفي يتكون من حائطين صغيرين ، يوضع فوقهما الإناء ، ويشعل الحطب بينهما، أسفل الاناء ، كما يجلس الفلاحون أمامه في الشتاء للتدفئة ، ومن عادة النساء عند اشعاله،يحركن طرف جلبابهن الأمامي ،حتي يتحرك الهواء فيشتعل الحطب ، وينصب الكانون في المكان الذي بدون سقف ، حتي لا يعوق الدخان من الصعود 30 ـ ليونة وميوعة

31ـ بكسر الزاي وهو طبق من الفخار للأكل 32 ـ طعام مكون من حبات الذرة أوالقمح المسلوقة 33 ـ شهر قبطي يحرث فيه القمح

34ـ ذكر الجاموس 35 ـ بضم الغين وسكون الراء، مقهي صغير حقير الحال
36ـ بفتح الكافين والنون ، اناء لصنع الشاي أو القهوة بدون غطاء ، و له ذراع







كتاب " الجاز "
**********

بابة "الديمة""1"



***
"سبلة" تطل من "طاقة" بيتها، تشاهد المطر، لم يتوقف منذ عيد "الغطاس""2" بأيام ، ينزل من السماء في "الجرة""3"، التي سندتها علي الحائط خارج البيت، تحدث "المشخلعة" التي تجلس خلفها علي "المصطبة""4" عن "مسري"، تري طيفه فوق مركبه في النيل، كأنه نوح يوم الطوفان.
قال "أبونا" "5"، ان المطر نزل من السماء أياما، ثم قال الرب كن سيلا فكان ، فتكمل "المشخلعة" لها بقية قصة الكفرة، الذين لم تنجو منهم روح، "ابن نوح" ركب علي جبل أعلي من جبل "التالحة"، وأخذ معه أمه تالفة العقل، ظنا النجاة، لكن لم ينج من سيل نوح، غير من أراد رب الماء والجبل والمراكب، له تدابير لا يقدر علي تقبلها غير المؤمنين من الناس.
تعرف "المشخلعة"، أنه في كل سنة يأتي السيل بعد "الديمة"، لا بد أن يأتي في "طوبة"، قبل أن تترك دنيا البنات، كانت تقف مع العيال، علي"المخر""6" تنظر للماء الذي يسيل هابطا من الجبل، مخلوطا بترابه.
ـ ياسيل ليه نازل من الجبـل للبحر جريان
البحر بالميه والسمك وبمركبـه مليـان
ياســيل حود علي بنـات" التالحـة "
عاشق وريان
تغني مع العيال ما علمتهم جدتها "سمهج"، لكنها لم تعرف قصد جدتها الا بعد أن دخل بها "السخل"، ولن تعرفه "سبلة" الا بعد أن ينزل "مسري" من مركبه علي موردة البلد، حاملا علي كتفه هدايا من "ماري جرجس""7"، يوزعها علي الناس يوم الدخلة، سألتها عن أيام الغسل الفجرية السبعة، نظرت للجرة التي ملأها المطر، سيكون غسلها الأول فجر اليوم، وسيكون بماء المطر، لن يسقط الماء علي الأرض، حتي يمر علي جسمها في الفجر.
تأتي أيام "الديمة"، فتبدأ من جاء دورها من بنات "التالحة"، في وضع "جرتها" علي باب بيتها، تملأها بالمطر، لكي تبدأ بها أيام الغسل، كل أسبوع غسل، فاذا جاء الفجر السابع، حملوها علي
جمل الي بيت عريسها، تغسلها "الداية""8"غسلها السابع ليلة الدخلة في حضرته.
أيام "الديمة" بدأت، وامتلأت جرار البنات أمام البيوت بالماء، و"مشخلعة" تحكي "لسبلة" في بيتها، عن المطر الذي لن يتوقف، الا عندما تمتلئ قمة الجبل بالماء، ويا ثقل الماء علي الجبل المسكين ، حتي اذا تعب من حمله، قال الجبل للماء: "البحر" أولي بك، الماء للماء، ولا تسمع كلام "سمهج"، فتحود من مخرك علي البنات في البيوت، من أرادتك فلتأت الي "المخر"، تغرف من الماء المختلط بترابي، وتصب علي جسدها تطلب البركة.
تحكي، و"سبلة" مازالت تنظر من "الطاقة" لجرتها في الخارج، وضعتها قدام البيت، ملأها المطر، تري الماء يسيل منها، فتحسد "الجرة" علي ارتوائها، حكت جدتها للبنات قبل موتها، أنه قبل ما يولد في "التالحة" نصراني أومسلم، كان لاينبت فيها الا "الجميز"9"، ولم يبق منه الا القليل، منهم جميزة دوار العمدة، وجميزة "موردة البلد"، و"جميزة" قدّام بيت "اليونانية" جدة "سبلة"، في هذا الوقت، كانت عيال الجن تنزل من الجبل،قبل أن تبدأ "الديمة" تلعب بين الجميز، لعبة عسكر وحرامية، فينزل السيل، ويملأ " التالحة" بالوحل لشهور، ولأن "العيل" من "الجن"، لا تستطيع أن تخفيه الا جميزة، تظل عيال الجن تلعب في "التالحة" من شهر القمح "هاتور"، ويأتي بعده "كيك"، حتي "طوبة"، فتنده أمهات الجن علي عيالها كي تطلع الجبل، تحتمي من المطر، لأن مطر" الديمة "، غير كل المطر في الأرض، اذا نزل علي جني يحرقه، مطر لا يقدر عليه غير "الانس"، لأنه من طين، والمطر للطين عجّان، في يوم لعب عيال الجن، حتي قبض العسكر علي الحرامية، وكتفوهم بحبال مفتولة من شعر بنات الجن، نزل "التالحة" جني لم ير الجن له من قبل مثيلاً، في الضخامة تقول جبل، ومعه جنية شعرها أطول من جميزة، وعينها " أدون""10" من بئر، اذا ركبها الجني، سمعوا لها شهيقا يتعدي الجبل، ثم يغوص في الصحراء فيتعدي البئر، حتي يصل للنجوم، فتسمع الجن النجوم تضحك، علي الجنية قليلة الخشي، في البداية منع الجني والجنية عيال الجن، أن تنزل من الجبل لتلعب في البلد، وقالوا كل جني عيل يلعب قدّام بيته ، وبيوت عيال الجن في الجبل، أما "التالحة" فمن اليوم للجني "سمرود" وامرأته "سمرودة"، عيال الجن ظلت تترجي "سمرود"، حتي وافق علي أن يلعبوا بين الجميز عسكر وحرامية، في الوقت الذي لا يكون نائما، أو أرادت "سمرودة" حقها منه، ومن سيقع في يده من العيال، سوف يكتفه بشعر "سمرودة"، ويربطه في جميزة، حتي يأتي عليه مطر الديمة، فيطفئه، ويموت، وكانا يملكان "عباية""11" و"بردة""12"، غزلهما "سمرود" من صخور جبل، في نجمة اسمها "نجمون" لا يعلم بسرها غيره، بعد أن عجنه بماء "البحر"، حتي الجنية "سمرودة" لم يخبرها بالسر، لأنه كان يقول عنها "جنية" "لا يبل في خشمها فولة ""13"، عيال الجن ركبها الغيظ وشعلق رجليه علي صدورهم، وجلسوا تحت جميزة يتحايلون في معرفة سر "عباية" سمرود، و"بردة" سمرودة، قال عيل جني، مشهور بين عيال الجن، بأفعاله العيب ببنات الجن، اذا ما اختفوا بين الجميز، في لعبة العسكر والحرامية، قوة "سمرود" في شعر "سمرودة"، يكتفوها ويهددوها بحلق شعرها، وقوة "سمرودة" في المستقر بين فخذي "سمرود"، يكتفوهما، ويهددوهما بالحلق والقطع، بسيف جدهم، الذي يحتفظون به في المغارة الكبيرة في الجبل، حتي يقول لهم عن سر "العباية" و"البردة"، أعجب العيال التدبير، لكن تكتيفهما، لا يقدر عليه كل "الجن" في "الجبل" لو اجتمعوا، قالت "بنت" جنيّة، شعرها أطول شعور البنات، كانت جدتها الجنيّة توصي حريم الجن، انه اذا حان موعد ركوبهن، وتتمرد عليها الجني، وادعي التعب، تملأ كفها من لبن ثديها، ثم تخلطه بماء "البحر"، وتذيب فيه الجميز المطحون، وتتحايل علي الجنيّ حتي يشربه، فيصير كأنه "مسطول"، في "خمّارة" بني آدمين، عندها تركبه "الجنيّة"، ولا تتركه الا عندما يخرج الدم من عينيه، سكت العيال، وجلست البنات يحلبن أثدائهن، فلم تنزل قطرة لبن، تجعل البنت منهن تقول انها بنت، قالوا نتحايل علي "سمرودة" حتي نأخذ اللبن من ثديها، فذهبت اليها بنات الجن، يطلبن منها أن تعلمهمن كيف يحلبون أثدائهن، فجلست متباهية بثديها تعلمهن، لكن ذلك لن يحدث الا بعد أن يدخل بهن الجن، وحريم الجن ينزل لبنهن حتي ولم يلدن، قالت البنات نتعلم منك الي أن يأت الوقت، جلست تحلب ثديها، فانهمر اللبن، جرت البنات للجبل أحضرن "جرة"، أكبر من "قعر"14جميزة، ووضعنها تحت ثديها حتي امتلأت باللبن، طلبوا منها أن تسمح لهن بأن يأخذن "الجرّة"، ليري عيال الجن ما فعلته "سمرودة "، ولاتقدر عليه جنيّة في الجبل، أعجبها المديح، فأخذت البنات "الجرّة"، وعجن لبن"سمرودة" بماء "البحر" و"الجميز"، ثم جاءوا في اليوم الذي تلا،وقلن لها ان حريم الجن أرسلن لها هذا الطعام، لتأكله هي و"سمرود"، وسوف تشكر البنات علي ما سيفعله بها، أكلا كجملين من الجن، لم يأكلا منذ شهور، حتي اذا شبعا، وأرادا النهوض ليشربا من البحر، هجم عليهما عيال الجن، وربطوهما بشعر "سمرودة" في "جميزة"، وبعد تهديد ووعيد، ورؤية "سمرود" لسيف جد عيال الجن، منصوبا قدام فخذيه، فضفض بالسر، طارعيال الجن علي النجم "نجمون"، وأخذوا من صخوره ما يكفي جن "التالحة"، وعجنوا الصخور بماء "البحر"، وغزلت البنات "عباية" لكل جني، و"بردة" لكل جنية، ومن يومها تأتي الديمة علي "التالحة"، فلا تتوقف عيال الجن عن اللعب عسكر وحرامية.
بعدما ينام الخلق، وتخلو السماء والأرض، كانت "سمهج" تقول انها تري الجن تطير فوق "التالحة" ، وهي تلعب بين الجميز "المعلق" في الهواء، والجميز المنكوت تحت الجبل.
كلامها عن "الجن" جعل جسد "سبلة" يرتعش، سألتها "المشخلعة"عن "الجرة" التي امتلأت بالمطر، وأوصتها أن تبدأ غسلها هذا الفجر، حتي لا يختلط المطر في الجرة بشئ، ثم خرجت من بيتها، وهي تترحم علي جدتها "سمهج"، وخالتها " العنود" أم "السخل"، ظلت حتي موتها، اذا سمعت جدتها تحكي للبنات، تزعق، وتطلب منها التوقف عن حكاياتها، التي جعلت عقول العيال "كوزا ""15" امتلأ "بوظة "، التي تقلب دماغ الرجال في "خمّارة البندر".

------------------------------------------



1ـ المطر الذي يدوم أياما في سكون بلا رعد 2ـ عيد مسيحي بمناسبة تعميد السيد المسيح في نهر الأردن 3ـ بفتح الجيم , تشديد الراء، وهي اناء من الفخار يملأه الفلاحون بالماء أو العسل الأسود أو المش 4- بفتح الميم وسكون الصاد و فتح الطاء والباء، والمصطبة مقعد طيني بديل عن الدكة، يبنى في غرفة الضيافة، أو أمام البيوت 5 ـ رجل الدين المسيحي "القسيس" يقال له أبونا.
6ـ مجري يحفره الناس ، أو بفعل الطبيعة ، لتصريف ماء السيل بعيدا عن الأماكن المأهولة 7ـ كنيسة عظيمة في مصر القديمة
8ـ القابلة التي تولد النساء في الريف 9ـبكسر الجيم ، وتشديد الميم مع كسرها ، وهي شجر معمر ضخم العجم ، له ثمرة تؤكل

10ـ يقال للحفرة العميقة في الصعيد حفرة "دوينة "بفتح الدال
11ـ عباءة 12ـ " البردة " بكسر الباء و سكون الراء ، وهي في الصعيد ملاءة مصنوعة من الصوف تلتف بها المرأة عند خروجها من البيت 13 ـ تعبير ريفي للدلالة علي عدم كتمان السر
14-جذرشجرةالجميز 15ـ ضم الكاف ، كوب ماء ريفي من صفيح












بابة "السـيل"
**********
الجــــبــل : ما أتي قد أتي ، الماء فوقي لا لون له ، ومذاقه في فم المرتوي غير فم الظمآن ، وأنا الجبل شبعت من الارتواء.

قطرالـجاز: من ملأنى فلينتظر فراغي ، ما ملئ شئ إلا و فرغ.

الـبـــيـوت: الذي يسكنني تسكنه نفسه، نفوس تعشق السكن في بيوت من طين ، ونفوس جعلت سكنها طوب "الأماين" ، لا الجبل يعرف لونا للماء ، ولا القطار يطيق حمولته من الجاز.

الصحراء : خلقت للظمأ ، وللماء في فمي مذاق موسمي، موسم للعطش ، وموسم لارتواء لا يدوم

البـحــــــر: اذا ناديت الماء علي الجبل، يأتيني يسعي ، فرسا اشتاق لوليفه

نار علي ماء، صار للماء لون، وتخفف القطار من حمولته، الماء يندفع من أعلي الجبل، هابطا، جارفا في طريقه البيوت والبهائم، ومن لم يصمد من النخيل والشجر، كل ما كان بين الجبل والبحر صار في مرمي الماء والنار، حمّلوا القطاربالجاز، نسوا موعد السيل ، وناموا، ارتفع الماء فوق الجبل فهجم، غلب القطار فانكفأ،
انهمر الجاز علي البيوت، واشتعل علي الماء مثل باخرة ضخمة، كرهها راكبوها، فأحرقوها.
للنار علي الماء فحيح، عندما تدخل البيوت، وتكسح الزرع، تشتعل الأرض، ويمتلئ الهواء بالدخان، كان في يقينهم أن النار اذا اشتعلت، لا يطفؤها الا الماء، لكن اليوم جاءت النار علي الماء.
ـ رب العباد زهق من العباد
كلام يتردد بين الهاربين من النار، ولعنة تنزل علي رأس امرأة، تلملم "بردتها"، التي اشتعل طرفها، فلا وقت للحشمة،ألقتها وجرت الي الأرض "النافرة"، تطلب النجاة مع غيرها عند "أبوطربوش".

الــمــــاء : أنا الماء شوق الأرض ، حان وقت السقاية

الــنـــــار : لا يقف في طريقي الا هالك ،فرسي الماء، وأنا هالكة لا محالة

"باخرة النار" تدخل البيوت من كل منفذ ، يشتعل البيت فيهربون، تاركين ما لم يستطيعوا حمله، ومن البهائم ما احترق، كلاب وحمير وبقر وماعز، تجري أمام الماء وقد اشتعلت، و"باخرة النار" تكبر في عيون الناجين علي "الأرض النافرة"، الماء أسفل النار، يذيب كل جدار طيني، وينخر تحت حوائط الطوب والحجر، حتي تسقط أو تميل، وطيور لاتمكنها أجنحتها المشتعلة من الوصول إلى "أبو طربوش" .
عندما هجم الماء، كان "السخل" علي بقرته، تسير بين البيوت في كسل، وهو مستغرق في تسبيحات الفجر، البقرة تعرف طريقها للزرع، وهو يفتش في تسبيحاته عن طريق، سمع الماء يهبط من الجبل، رآه يقلب "قطر الجاز"، فيتدحرج أمامه مثل "فلق" "1"" نخل مشتعل، يسكن بين الزرع فلا يصل البيوت، يلوي "لجام البقرة" فتعود "رهوانا""2" إلى بيته، كان الصراخ ينمو ويكبر، في كل بيت تقترب منه النار، يتوسل بكل دعاء عرفه، أن يحمي الله امرأته، وأن تصمد حوائط البيت الحجرية حتي يصل، يشير بيديه الي "أبوطربوش"، يوجه الفارين اليه، وبقرته تسبق باخرة النار.
عندما وصل الي البيت ، وجده خاليا، خرجت تدفع أمامها البهائم، وترفرف فوقها، طيور لم تشتعل أجنحتها.
الماء وراءه يرتفع، عندما وصل الي "الأرض النافرة"، كانت النار قد دخلت كل بيت، رائحة الجاز المشتعل تختلط برائحة جلود البهائم المحترقة، تكبيراتهم وتوسلاتهم الباكية تعلو، عندما يرون باخرة النار، تدخل "الجبانة" "3"، عنيفة قاسية علي الأموات، تطفو جماجم وعظام، وتشتعل.
فحيح النارعلي الماء، يجعل "باخرة النار" مخلوقا هائلا، في عيون الخلق الناجين عند "أبوطربوش"، يجعلها أضخم من الجبل ، تسير مندفعة بحمولتها نحو الصحراء، و"السخل" ينظر من فوق "الأرض النافرة" الي "الساكت"، مستلقيا علي جنبه فوق ماء البحر، أضخم من باخرة النار، ينظر الي البلد بعيون جامدة، تندفع حمولة باخرة النار في فمه، الواسع باتساع ضفتي "البحر".

---------------------------------------------




1ـ بفتح الفاء وسكون اللام، جذع النخلة بعد شقه ينقسم الي فلقين 2ـ يوصف الفرس السريع بالرهوان
3ـ فتح الجيم ، والباء المشددة ، اسم للمقبرة









بابة "الـعـسكر"



******
أتت "الباريهات" الانجليزية، تركب عربات مكشوفة للسماء، معهم "الحكمدار"، تضحك العيال الحافية، علي رطانتهم الافرنجي، ويبحلقون في أحذيتهم اللامعة، وفي الرسوم التي علي أكتافهم، توشك أياديهم أن تمتد، لتخطف احدي قطع الحديد الملونة، المعلقة علي صدورهم، الخلق الذين قضوا يومهم جوار "أبوطربوش"، يعرفون أنها "اللجنة"، سمعوا عن قدومها،أرسلها الجيش الانجليزي من "معسكر المديرية"، ينظر "السخل" الي "المناديل" التي تحمي أنوفهم من رائحة البلد، كان للبلد قبل السيل رائحة في أنفه،مثل رائحة امرأته بعد الغسل، عندما يندلق الماء علي جسدها، لكن الماء فوق الجبل ، غير ماء "طرمبة""1" المشخلعة ".
لم تشرب الأرض كل مائها وجازها، النار مازالت مشتعلة في بعض البيوت، والبهائم الميتة بدأت في التحلل، تاركة حسرة في نفوس أصحابها، ما كان ينقصهم في هذه الأيام غير موت الرزق.
ـ غضب الله با بهوات
العمدة يضع ذيل "جلابيته" في أسنانه، يطوف بهم حول البلد، "السخل" ركب البقرة، وتركها للماء والطين والجاز، يطلب "العمدة" منه أن ينزل، وأن يتأدب في حضرة اللجنة، تجاهل العمدة، وأعطي البقرة "مهموزا""2" بكعب رجله الحافية، فأسرعت في السير أمامهم، ترجّي "العمدة" "الحكمدار" كي يعذر "السخل"، لأنه يخاف علي وضوئه من "البربيطة""3".
هبت علي"اللجنة" رائحة عطرية، فتشوا عن مصدرها وسط كل هذا الموت، لكن حضورها جعل مناديلهم تبتعد عن أنوفهم، حدثهم العمدة عن رائحة الشهداء في الجنة، فمن يموت غرقانا فهو شهيد، وانه سوف يبني لهم مقاما بجوار مقام "أبوطربوش"، حرام أن يدفنوا في جبانة البلد مع كل من هب ودب، هم الذين سيمنعون غضب الله عن البلد، في الأيام التي تأتي بعد السيل.
ـ ولد "المبروش" شهيد يا عمدة !
سيرة كل الناس يمكنها أن تأتي في حضرة "اللجنة"، الا سيرة "ولد المبروش"، لعنة الله عليه وعلي أمه، عيال البلد كانوا يمشون وراءه كأنهم جحوش وراء حمارة "شايعة""4"، والولد لا نفع معه لوم أو تهديد، وأمه كانت تطلب من العمدة أن يترك الولد في حاله يكفيه شقاءه طوال اليوم في معسكر الانجليز في المديرية، واذا
حضرت سيرة "الباريهات" في الكلام، تجعل العمدة يدور نواياه في رأسه مرات، ثم يلزم السكات، لعن اليوم الذي دخل فيه "السخل" علي ابنته، الوقت الذي من المفروض أن يصمت فيه، "بعبع""5" في الكلام كأنه "قلة""6" "كفوها علي بوزها"7" ونسوها، أشار أحد الباريهات الي الجبل، يعرف زملاءه بمكان الرائحة.
ـ حشيش المحروسة مخزون كله تحت الجبل
قالها "الحكمدار" وهو يضحك، مذكرا "العمدة" بكلامه عن ريح الجنة، ومقام الشهداء الذي سيقيمه لهم بجوار "أبوطربوش"، نظر "السخل" للعمدة وضحك، أقسم العمدة، انه لولا أن "الدايخ في اللومان، "لفرتك""8" دماغه بعيار من "القرابينة "، وهز البندقية في يده غاضبا، ناظرا إلى "السخل".
ـ لكل وقت حساب يا ولد "العنود" "الفقرية""9"
كلامه لا ينزل لها من "زور"، تركهم "السخل" وركب" الأرض النافرة"، يستريح عند امرأته من كلام أبيها "الماصخ""6"، والعمدة يدور باللجنة حول البلد، لا يجرؤ أحد منهم علي الدخول اليها،
ينظرون الي أحذيتهم الميري، لم تعد لامعة، ولأطراف بناطيلهم التي تلطخت بالطين والجاز، يتركون "أبوطربوش"، ويغادرون الي المديرية.

أبـوطـربـوش: أري تحتي بلدا أكل "السيل" منها وشرب، وحولها طافت "باريهات" ، تذكرني بطربوشي الذي لم يكن يجرؤ ناس "التالحة" علي لمس "طرطوفه""10"، وفي أيامي لم يكن يعرفون الجاز ، وعندما حضر، سكنت العفاريت البلد.

غادرت "الباريهات" علي عرباتها التي من غير سقف، "تزمر" كي يوسع الخلق الطريق، تجري وراءها عيال "التالحة"، حتي تغادر حدود البلد، كان آخر ما رأوه جحش، يجر برميلا كبيرا مثبتا علي عجلات، فوق البرميل يجلس ولد بطاقية، لونها لون "الجحش"، يضربه بحبل في يده ، يحثه علي السير، وفي يده قطعة من حديد، يضرب بها البرميل فيرن، ينده الولد، ليعرف "الخلق" عند "أبوطربوش"، أن عربة الجاز وصلت، يضحك الناجون، دوخ "الكيف" الذي احترق دماغ "الولد"، فجعله يبيع الجاز علي الأرض النافرة، لا يرعي حرمة "أبوطربوش"، وأدرك أن "بوابير الجاز"، و"اللمض العويل"، جرفها السيل، وذهب بها الي البحر.
بطاطين ودقيق وزيت وسكر، جاءت علي عربات الجيش الانجليزي في "العشية"، يسوقها موظفون في المديرية، عندما سألت امرأة عن الشاي، نظر اليها سائق، هو يفتش وجهها وعنقها، حدثها عن فوائد الشاي ، فهو يعدل المزاج، ويجعل ليل "الحريم" غير نهارها، لما أعطاها كيس الشاي، دعت له أن يجعل الله له مقاما أعلي من مقام "أبوطربوش"، سأل السائق "السخل" عن أبوطربوش، أشار الي المقام، وتركه ينظر الي المرأة، التي مشت بعد أن أخذت كيس الشاي، وبجوار المقام جلس موظف علي كرسى ومائدة، يدون أسماء الذين ماتوا ، ومن ذهبوا الي المستشفي الأميري، عندما جاءت سيرة "مسري" الغائب، ونصيبه في خيمة وتموين، تذكر "السخل" "سبلة"، فتش عنها بين الموجودين، رأتها امرأة تجري الي "الجبانة"، ركب البقرة، لم يكن لها نصيب من معونة "الباريهات"، نزل من "الأرض النافرة".
-----------------------------------------
1ـ ضم الطاء ، آلة يديوية لسحب المياه الجوفية ، تستخدم في الريف
2ـ نغز بطنها بكعب رجله 3ـ تعبير ريفي يعني اتسخت ملابسه بالطين أو بغيره 4 ـ توصف الحمارة التي تطلب الجماع "بالشايعة
5ـ ثرثر وفضفض 6ـ ضم القاف وتشديد وفتح اللام، اناء من الفخار يحفظ فيه ماء الشرب، وهي أصغر من "الزير" 7ـ بوز القلة هو فمها، وكفوها أي قلبوها 8ـ يهشم رأسه و يتناثر 5ـ الشؤم أوقليلة المال 9ـ الطعام "الماصخ" الذي لا طعم له، ويقال في الريف للكلام الذي لا يلقي قبولا عند السامع بسبب تفاهته أو لا معني له، الكلام الماصخ
10ـ طرفه أو نهايته

بابة "الجبّانة"



******
لم يجد للقبور أثرا، لا في جبانة المسلمين ولا النصاري، جرفها الماء والجاز، والسور الفاصل بين الجبانتين، "كأنه فص ملح وداب""1"، عظام مبعثرة، وجماجم تفحمت، لم يبق منها غير أسنانها التي اسودت، ترحم علي الذين حرقتهم نار الدنيا وهم ليسوا من أهلها، يلتقط العظام والجماجم من الطين والجاز، يكومها.
رأي في الغروب "سبلة"، ساكنة علي شجرة احترق الكثير من فروعها، لم تحترق جذورها ولا جذعها فصمدت، عارية علي فرع لم يحترق، تستر ثدييها بكفيها، وتضم فخذيها، يسيل تحتها علي جذع الشجرة خيط من الدم، يصل الي الماء والجاز، النار في "الجبانة" انطفأت، وبعض قبور لا يعرف "السخل" أصحابها، لم يغلبها الماء والجاز، خلع جلابيته وألقاها لها، سترت نفسها، وقف علي ظهر البقرة حتي طالها، نزلت وهي تنتفض، الخوف الذي رآه في عينيها سكنه، لم يتحدثا، ركبت وراءه، تغطي رأسها بشاله وهو أمامها بالصديري ، عندما رأتها الحريم، ارتفعت بجوارمقام "أبوطربوش" مناحة، تعاتب "السيل" و"الجاز"، الذي جعل بنات "التالحة" عرايا، ولم يجدن غير "الجبّانة" ملاذا، وجلابية " السخل" سترا.
عندما هجم "السيل" وقت الفجر، كانت "سبلة" تنظر الي جسدها العاري، تبحلق في كل ركن فيه، طيّر طيف "مسري" النوم من جفونها، ولعنت مركب "القلل"، ووقت سفره من "الموردة2"الي "مصر"، حتي يبيع القلل ويعود.
البنت في "التالحة" اذا قربت ليلة دخلتها، تغسل جسدها في الفجر كل "أسبوع" ، تخلط الماء والبخور ، وعندما يصل عددها سبعة، سينـزل أمر الله من سابع سماء، وتكون دخلتها مباركة، فجر السيل كان الغسل الأول" لسبلة"، اشتاقت لكلام "مسري" وهي تصب الماء الدافئ علي جسدها ، ببركة يسوع والعذراء، تذكرت قوله لها ، انها القلة الوحيدة علي المركب التي لا يبيعها، دائما هي معه وسط "القلل"، وحكي لها مرة وهو يضحك، عندما ضبطه، ريس المركب وهو يكلم "القلل"، نده كل من علي المركب"، وزفّوه بين "القلل"، نهضت، مشت الي "المرآة"، تبحث عن الشبه بينها وبين "القلة"، جسدها العاري في "المرآة" يجعل غضبها يكبر،علي الذي طال غيابه هذه المرة، وكلام أمها قبل أن تموت، عن نصيبها "الفقري"، تواسي نفسها بترديد نشيد، يحفظه "مسري" :
من هذه الطالعة من البرية كأشجار النخيل.
تعبق بالمر البخور وكل عطور التاجر
من هذه المشرقة كالصبح ؟
الجميلة كالقمر
البهية كالشمس"3"
في المرآة رأته يجلس في المركب متربعا، كأنه رسم فرعوني محفور علي صخور الجبل، متأكدة هي من الشوق الذي يحرقه، عند عودته ستصنع له "مفتلة""4"، واذا أكل و شبع، تصب له الشاي من "البراد""5"، الذي أحضره معه في سفريته التي مضت.
تسمع عن حريم "مصر"، ربما كان له معهن أفعال، وستقول له، انها رغم عشقها لزحمة مولد "أبوطربوش"، الا انه في العشق يسبق.
ـ يا مركب يا "مبحّر""6"، ليه عالبحر ترمح
عن " قبلي""7" حبيبي غاب وفايتله مطرح
وستحلف "بستنا العذرا"، أنه اذا أجل الدخلة بعد عودته، سيكون نصيبه الذبح، بسكينة "المشخلعة" التي تهدد بها بقرة رجلها، اذا ركبها الخبل، وعملت نفسها "عبيطة"، واياك يا "مسري" تستعبط كأنك بقرة السخل، اذا جاء في الكلام سيرة "الدخلة". تعده في المرآة، انها اذا ذبحته، فسوف تغني له أغنية الذبح، التي تسمعها "المشخلعة" للبقرة اذا نسيت مقامها، ومقامك غالي يا "مسري" ياولد "عنّابة".
رأت نفسها في المرآة علي مرجيحة المولد، تري زحام الخلق من فوق، تهبط، فتحرص قبل أن تعود الي الصعود، علي أن تلامس أصابع قدمها الحافية تراب الساحة، لم تترك مولدا لشيخ أو قديس الا ودخلت فيه، يحتويها زحامه، تتجاهل احتكاك الرجال بها، ودهشة البنات من جمالها، وولع الأطفال بالقرب منها، هواء "المولد" المترب، المختلط برائحة العرقانيين، وطبول المنشدين، يجعلها دائما تنظر الي السماء ، فتحدثها النجوم عن خير الناس وشرهم، وأن الأرض لا تضيق الا بالجاحد، وأنه في السماء متسع للصالح والطالح.
قبل ان تدرك أنها تكلم "المرآة"، برك الماء علي البيت الطيني يحمل ناره، خجلت من عريها، فهربت تجاه "الجبانة"، هربت من الموت الي الأموات، احتمت بقبر أمها في مدخل الجبانة.
القــــبــــــــر : تحتمي بي كأنني أمها، وأنا القبر لا أم لي، ولست أما لأحد

تري "السيل" هاجما علي "القبر"، تهرب الي فرع شجرة، تري "باخرة النار" قد جاءت، وعلي متنها جماجم وعظام "المقبرة الشرقية"، تدفع أمامها أحجار "السور" الذي يفصلها عن "المقبرة الغربية"، وتجرف كل قبر يقابلها، ظنته كابوسا، من التي تهجم عليها كل ليلة منذ موت أمها، تهتز الشجرة ولم تسقط، تميل علي الشجرة، تخشي السقوط، تلف ساقيها حول فرعها، تصرخ عندما تشعر بغصن يخرقها، يسكن ما بين فخذيها، شعرت بالدم ينزل حتي ساقيها، ورأت جماجم الموتي التي تمر أسفلها عائمة وهي مشتعلة، تختلط بدمها الذي سال علي "الجذع" حتي وصل الي الماء والجاز، يحضر وجه "مسري" فتبكي.
تنظر "المشخلعة" الي وجه "سبلة"، حكت لها ما جري ونامت، بعد أن غسلت جسدها من الطين والجاز والدم، الخالق الناطق جدتها اليونانية، كان أبوها يعمل في مالية "بيت الوسية" أيام الباشا الكبير، عشقت صراف البلد "متي"، وخلفت منه، "أم سبلة" التي عشقت "عفارم"، وكان لها معه مواويل، تحكيها جدتها "سمهج" "لسبلة" وتضحك، رحمة من ربها أن "عفارم" لم يعش طويلا مع أمها، مات بعد ما دخل بها بسنوات، لوعاش، كانت أمها أدخلته "الموريستان""8"، "عفارم" كان صوته مليحا، وكان له في المواويل، اذا قال ياليل تحت شمس الشتاء، رد عليه "فتّالة" الحبال في "السهراية" "9" ياليل، ولأن الوقت كان صبحا، كانت قمر الليل "أم سبلة"، واذا حضرت في دماغ "عفارم"، تكون "سهراية" خسرانة، يتوقف الخلق عن الفتل، وتغيب شمس "السهراية"، ولا تغيب أمها عن دماغ أبيها.
قالت لها "سمهج" ان أمها كانت للجمال "حجّاز"، لما دخل الجمال البلد، حجزته أمها وبعد ما اكتفت، توزع الباقي علي حريم البلد، وكثير من الحريم التي ما طالها الدور، يلومون جدتها اليونانية، التي ورثت الجمال لأمك، وتركت حريم البلد نصارى ومسلمين في حسرة، لكنك يا بنتي أخذت جمال اليونان والنصارى.
ـ الله يصونك لرجلك الموعود.
دعوة جدتها "سمهج" خابت، ما حكاه لها "السخل"، و"سبلة" عن الدم الذي سال علي جذع الشجرة في الجبانة، يجعلها تنظرالي السماء التي حضر قمرها، تحكم لف بردتها علي جسد "سبلة"، تمسح
علي شعرها، وتقرأ آيات من سورة مريم، كان اذا قرأها الفقي في دوار أبيها في سهرة رمضان ، تترك ما في يدها، وتجلس في "ديوان""10"الحريم، تردد معه كل آية يقرأها، وتبكي علي مصيبة "مريم" وسط اليهود، وأبو "سبلة" برغم عقله الذي كانت ستغيبه أمها ، لولا رحمة الموت، ما كان امرئ سوء، وأمها علي جمالها كان يقولون عنها في البلد بنت "اليونانية" خدامة الكنيسة، سمعوا من عواجيز البلد، أنه كان لجدتها اليونانية طريقة في رن جرس الكنيسة، لا يعلمها غيرها.

-----------------------------------------


1ـ تعبير شعبي للدلالة علي تمام الاختفاء
2ـ ضم الميم و الواو وفتح الراء والدال، وهي مرسي نيلي صغير، و يكون أمام كل قرية علي النيل موردة


3ـ نشيد الانشاد 4ـ بكسر الميم وفتح الفاء وسكون التاء وفتح اللام ، وهي طعام مكون من الدقيق المبروم علي شكل كرات صغيرة، يضاف الي اللبن أو السمن البلدي 5ـ اناء لصنع الشاي "ابريق صغير" 6 ـ متجه الي الوجه البحري 7 ـ الوجه القبلي
8ـ مستشفي المجانين 9ـ في الريف يسمي الجلوس تحت شمس الشتاء الدافئة "السهراية" بكسر السين وسكون الهاء ،وكان من عادة الفلاحين الذين ليس لديهم عمل في الحقول ، أن يجتمعوا تحت شمس الشتاء صباحا ، ليستمتعوا بدفا الشمس ، وكذلك فتل الحبال ، لاستخدامها أو بيعها كمصدر رزق

10ـ مكان الضيافة ، مثل المندرة















كتاب "البئــر"



--------------














بابة "رماح"



*******


حكي "العمدة" للخلق عند "البئر"، عن "السحن الملونة"، التي قابلها في "اللومان"، قعد أياما لا يكلمهم ولا يكلموه، حتي لطف الله به ، ودخل الي السجن "رمّاح"، هرب من الانجليز في "جرجا"، ظل شهورا يتنقل من بلد الي بلد، حتي أمسكوه عند الشلال في "أسوان"، جاءوا به مربوطا من رقبته ويديه بحبل، لا يقدر علي قطعه "عجل"، عندما دخل "اللومان" "تمطع""1"، وحرك يده ورقبته، فانسل من "الحبل"، كأنه "حاوي" في "مولد"، تعجب "العمدة" من "العسكري"، الذي جاء الي "اللومان" ليفك قيده، ضحك "المرحرح"، وحكي للعمدة كيف هرب من المعسكر في "جرجا"، كان قادرا علي الهرب، حتي يصل "ملك الحبشة"، لكن عند "الشلال" في "أسوان"، قابله رجل أخذ الليل منه السواد، سأله "الرجل" عن وجهته، قال البلاد التي ليس فيها انجليز ، ضحك، ونصحه أن يعود الي بطن أمه، فهو المكان الذي ليس فيه انجليز، لما علم "الرجل" أن أمه ماتت منذ سنين، نصحه أن يستعيض عن بطن أمه، ببطن حرمة من البلاد الباردة، تعيش بجوار "مقام" اسمه "أبوطربوش"، تركه ناسه للانجليز، سأله "رماح"، هل يصلح سمار جلده في البطون البيضاء والحمراء، فسأله "الرجل" وهل يصلح "طين الشلال" مداسا لأحذية "عساكر البلاد الباردة"؟ ولونك وسط بين السواد والبياض، يرضي البطون من كل لون، اذا دخلت في بطنها اختفيت، فإذا شعر بك من يعاشرها، فخذ ركنا في بطنها لا يصل اليه، ولتدعو الله أن تصغر حتي تصبح "نملة"، فلا تتعب من حملك، لأن حريم البلاد الباردة، اذا زهقت من حملها، كان الخلاص منه أهون من خروج ماء بطنها، لا يمنعها رب أو عبد، فاذا صبرت عليك حتي ولدتك، كما تفعل حريم الشلال، فلا تبك عند نزولك، فلا حاجة للبكاء وأمك من "البلاد الباردة"، وأوصاه، أنه اذا أكرمه الله، ونال مراده، وصارت له "الحرمة الحمرا" أما، أن يرسل له خصلة من شعرها، سيدفنها في طين "الشلال"، حتي تنبت شعورا حمراء، يبيعها لحريم "الشلال".
انصاع الي نصيحته، سلم نفسه للحامية الانحليزية في "ابريم"2"، فأرسلوه مقيدا علي مركب "مبحّر" الي "جرجا"، سأل كل من تكلم معه علي المركب عن "أبوطربوش"، الذي تركه ناسه بعد "السيل" للانجليز، فطلبوا منه اذا وصل "جرجا"، أن يسأل عن "التالحة"، أول من سأل "شاويش انجليزي"، فكانت اجابته صفعة علي قفاه، لما اشتكي القفا، قال لنفسه اسكت يا ولد حتي يأتي "الفرج"، ويخرج من الحبس، لن تبلع الأرض "أبوطربوش"، ولكنه صلي ركعتين شكرا لله، عندما قابل في "اللومان" عمدة بلد "أبوطربوش".
قضي "العمدة" في "لومان الانجليز" باقي أيام "صفر""3"، ويومين من "ربيع الأول""4"، وقبل أن يخرج أوصاه "رمّاح" "بالحرمة الحمرا"، فأوصاه "العمدة" أن يقضي وقته في الحبس، يدعو الخالق أن يجعله الله بحجم "النملة"، حتي لا يتعبها، اذا دخل بطنها, واذا كان لهما نصيب في اللقاء، فلا يدري "العمدة" هل سيكون اللقاء عند "البئر"، أم عند "أبوطربوش"؟!

الـبـــئــــــــر: تسمع "المشخلعة" أبيها، وهو يحدث الخلق عن "رمّاح"، الذي سيدخل بطن "الحرمة الحمرا " مثل "نملة"، فتضع يدها التي عاد لها "ذهب" جدتها علي بطنها، التي لم تعرف "الحبل"، منذ أن خطفت "الجبانة" منها ولدها الذي لم يكمل شهورا، وكان ذلك بعد أن نامت "الحرب الكبيرة".

توقف "العمدة" عن الكلام عند "البئر"، عندما سمع "الراديو" في خيمته، يتحدث عن مفاوضات بدأت بين "الحكومة" وا"لانجليز"، وأن "الحكومة" تعد لاتفاقية، حتي يخرج "الانجليز" من أرض "المحروسة"، لكن سيحرس قناتها "الباريهات الانجليزية" في "السويس".

الـــــذهــب: يحدث "العمدة" الناس عن "لومان الانجليز"، وهو ينظر الي، بعدما عدت الي أجساد حريم "التالحة"، ألمح في عينيه زهوا، لا يعرف سببه غير "السخل"، ثم ينظر الي "الصاري" "المنكوت" علي "البئر"، الذي تشعلقت به "الوزّانة" من رقبتها، ومن قبلها شعلق الانحليز "أبونا"، وقبلهما بمائة سنة، شعلق "الباشا الكبير" جد "السخل".

سأل "العمدة" عن أخبار الحرب، قال له "السخل"، انه بعد أن كثر الكلام عن الحرب، نام الكلام وتغطي بلحاف "سمهج"، وما أفلح الكلام الا في بناء مخازن، لغلة الحرب تحت "أبوطربوش"، و"الانجليز" يصرون علي أن "الحرب الكبيرة" التي نامت سنة 18، ستصحو من نومها السنة التي تأتي بعد شهور ، أو سنة 37 التي تأتي بعدها، فالحرب عندهم نامت نومة "أهل الكهف"، والي أن تفتح عيناها، وتطل علي الدنيا، سيملأون المخازن بالغلة، فاذا قامت لم يخش "العساكر" جوعا.
علم "العمدة" من "السخل"، أن "الانجليز" أخرجوه من "اللومان"، لكي يجمع الناس، للعمل في "مخازن الغلة" في "التالحة"، فسأله "العمدة" عن حال "قطن برمودة"، الذي زرعه في "الرمل".
تحدث "السخل" عن "قطن الطين" الذي يكبر في اتجاه "السماء"، لكن "قطن الرمل" يكبر متجها الي تحت، وكلما سقاه "العيال" من ماء "البئر" يكبر، حتي يخرم "الأرض"، ويخرج من الناحية الثانية، حيث يعيش قوم "يأجوج" و"مأجوج"، عليهم لعنة الله، فاذا جنوه، صنعوا منه قماشا يداري عوراتهم، حتي يحين موعد خروجهم، فلا يظهروا علي الناس، مثلما تفعل "الحرمة الحمرا "علي "الموردة" كل صبح، أما ناس "التالحة" فيكفيهم من الستر "الخيام"، وما عليهم من ملابس خرمتها زغابير "أمشير"، فرقعوها ولأن "رمّاح"، طلب من "العمدة" في "اللومان"، ألا يعجب من كلامه عن "الحرمة الحمرا" التي ستكون أمه، فعندما يخرج "العمدة" من الحبس، سيري العجب من الخلق في الخيام، ومن "الانجليز" حراس مخازن "الغلال"، وأشار الي السماء، فله في خلقه عبر، لكن "العمدة" لم يأت في باله، أنه اذا خرج، سيجد "القطن" يكبر الي تحت لا فوق، وأن "الخلق" عند "البئر"، الذين يكاد يري عورات حريمهم من جلابيبهم المخرمة، شغلتهم عورات "يأجوج ومأجوج" يوم يخرجون.
لم يسألهم عن "الذهب" الذي عاد الي أجساد الحريم، ولا حدثهم عن "الوزّانة" و"ريس المكن"، ولا العمل في مخازن الغلال و"قطر الجاز"، ولا عن "الجبل" الذي يحجز عنهم "أبوطربوش"، سأل عن البنت التي رآها تجلس عند "البئر"، قال له "السخل" انها "براح"، وصية جدتها "حفيظة" "للسخل"، خافت أن تموت، وتتركها في "السوق" لوحدها، طلبت منه أن يرعاها، تأتي جدتها الي زيارتها كل "جمعة"، وهي تعيش في "خيمة" بجوار خيمتي "سبلة" و"المشخلعة".
نظر "العمدة" الي "القرابينة" في يد "السخل"، وطلب منه أن يفرقع في الليل "عيارين"، حتي تطرد "الجن" الذي يشعر بها حوله، جاءت من فوق "الجبل"، وبطن الصحراء، كي تسمع, حدثهم "العمدة" انه اذا كان لهم نصيب، وعادوا الي "التالحة"، فسيزرعون "القمح" في" بابه" أو "هاتور""5"، لكن اذا قامت الحرب، فسيكبر عيالهم عند "البئر"، ولن يكونوا آخر من يبلعهم "الرمل"، لا تبقي عليه مع السنين مقابر.
أول القبور عندهم "قبرمسري"، وفي علم أمه "سمهج"، سبقته قبور الذين حفروا "البئر"، ثم اعتدل "العمدة" في جلسته، ونظر الي
"المشخلعة" و"السخل"، وحدّثهم عما حكته له أمه "سمهج" عن حفر "البئر".
كان ذلك قبل أن يأتي "الباشا الكبير" بستين أو سبعين سنة، هجم علي "التالحة" وما جاورها من البلاد "الطاعون"، في يومين مات من بلدهم أكثر من مائة نفر، أيقن الناس أن الموت سكن وسط النخيل واختبأ، هربوا للصحراء، فلا شئ فيها يخبئه، مشوا في الصحراء نهارا، وفي الليل رأوا نارا وخيمة، وفي "الخيمة" امرأة تبكي، وفي حضنها "عيلة" بنت سنوات، "البنت" ماتت، و"المرأة" تقول كلاما عن "الأحباب الذين ماتوا، وتلوم "الموت" الذي لم يريحها، حكت لهم عن القبور حول الخيمة، زوجها وأولادها وحريمهم وعيالهم، كانت آخر الموتي المسكينة التي في حضنها، دفنوا البنت، وحزن الناس، فالموت الذي يفرون منه يسبقهم، خيموا بجوار القبور، في الصبح رأوا "غزالة" ترفس بقدمها في الرمل، وتصدر صوتا أعجب الناس، التفوا حولها ، ينظرون الي موضع نبشها، طلب "جد العمدة" من الرجال، أن يحفروا تحت قدميها، لقد رأي "الغزالة" في المنام، وشيئا يخرج من تحت قدمها لم يتبينه، كلما حفروا سمعوا صوتا قادما من "الرمل"، كأنه "حادي الابل"، تعجبوا، واستمروا في الحفر، حتي تفجر الماء من "الرمل"، يندفع بقوة الي السماء، فيتعدي الجبل، ثم يعود الماء مطرا فوق الناس، اختفت الغزالة في لمح البصر، وتركت الناس للماء الذي يعود للرمل مطرا، صرخ رجل وهو يشير للمرأة التي دفنت ناسها بالأمس، كلما سقط عليها الماء، تبدل لحمها، وسقط شعرها، وغارت عيناها، وتحولت قدماها في بركة الماء أسفلها الي "منجلين""6"، نظرت الي ماء "البركة"، رأت صورتها، صرخت فصار لها جناحان من نار، ضربت بجناحيها الهواء، طارت، لم تذهب ناحية "الجبل"، اختفت في الصحراء، واختفت معها قبور ناسها، أيقنوا انها "ابليس"، وشكروا الله الذي أنقذهم منه، شربوا من الماء حتي ارتوا، ثم أقاموا خيامهم شهورا، تحول الماء الي بئر، دفنوا الكثير من "الخلق" حوله، حتي ترك "الموت" سكنه بين نخيل "التالحة".
عندما علم "شيخ البلد" في "مصر" بحكاية "البئر"، أرسل له نفرا من "أوجاق متفرقة""7"، نصبوا عليه راية "شيخ البلد"، كي تدعوا له القوافل التي تمر بالبئر، وكأن دعوتهم كانت بالمقلوب، مات "شيخ البلد" مخنوقا بيد عساكره، بعد أن نصب "الراية" بشهور.
الـصـــحـــراء : يحكي "العمدة" عن زمن، حتي أنا " سكن البراح" ضقت فيه بالناس.

القـــرابـــيـنة : لم تتركني يد "العمدة" في مجلس، منذ أن كبر له "شنب"، الا في مجلسه اليوم، كأنهم يتعلمون في "لومان الانجليز"، كيف يتعودون علي أيديهم خالية من"القرابينة".

رأي "السخل" "الساكت" يمشي الي الوراء، بعد أن تخلص من خوزقته علي "الصاري"، المنكوت فوق "البئر"، ناظرا أمامه للجبل و"التالحة "، "السخل" يري الناس في عيني "الساكت" يحيطون بالعمدة، ويري "المشخلعة" و"سبلة"، يجلسان مع الحريم وراءهم، لا يرون من الرجال سوي أقفيتهم، ورأي نفسه في عينيه يمسك "القرابينة"، كلما أوغل "الساكت" في الصحراء كبر، صار أكبر من الجبل.
------------------------------------

1ـ حرك وسطه وكتفيه ويديه في كسل ، وفي الصعيد يقولون " تمطع الرجل عندما استيقظ".

2ـ بلد في منطقة النوبة في جنوب مصر
3ـ شهر عربي قمري 4 ـ شهر عربي قمري

5ـ "بابة" شهر قبطي ، "هاتور" شهر قبطي ، وهما شهرا القمح
6ـ قطعة مقوسة من الحديد تستخدم في جز سيقان النباتات 7ـ قوات عسكرية ، كان مهمتها الأساسية في العصر المملوكي، الدفاع عن حدود مصر، وكان لها حامية صغيرة في ولاية جرجا .


النهاية