تحرير طابا وانتصار الدبلوماسية المصرية
بالرغم من كل الظروف الصعبة والمخططات الخارجية صمدت مصر لذلك كانت فرصة لها أن تحتفل كل عام في 19 مارس باسترداد طابا التي مساحتها 1020 متر مربع , وهي رمز لشبرالوطن لمتر الوطن الذي لانتخلى عنه ابدا ومعركة دبلوماسية غير متكافئة لمفاوض مصري تمرس على السياسة منذ الاف السنوات أمام مفاوض اسرائيلي لم تتجاوز دولته خمسة عقود , هكذا عبر الدكتور محمود الشال مدرس التاريخ الحديث والمعاصر بكلية التربية جامعة الاسكندرية في ندوته مع القسم الثقافي لقصر التذوق سيدي جابر يوم الاربعاء 14/3/2016 بمناسبة تحرير طابا يوم 19 مارس 1989 م .
وطابا كان أول ظهور لها على صفحات التاريخ عام 1906 م وحادثة ورأي بطرس غالي وكذلك رأي الأحزاب المصرية عنها , وكان في عام 1892م صدر فرمان عثماني بتولية الخديو عباس حلمي الثاني ولاية مصر والذي حكم حتى 1914 م , وكان ذلك فرمانا شكليا من السلطان العثماني لأبناء اسرة محمد علي , وقد صدر ذلك الفرمان بدون ذكر سيناء بالكامل بما فيها طابا ولو ظل هذا الفرمان بدون تغيير لخسرنا سيناء وطابا الآن , لكن تدخلت بريطانيا المحتلة الفعلية في مصر لأن مد نفوذ الدولة العثمانية من متصرفية القدس حتى سيناء يعني أنها تشرف على ضفة قناة السويس - ذلك المشروع الفرنسي الذي عارضته بريطانيا ولم تملك فيه أي سهم - ولكن في عام 1875 م اضطر أن يبيع الخديو اسماعيل اسهم مصر حوالي 44 % من اسهم القناة أو 176 ألف سهم من 400 ألف سهم بمبلغ 4 مليون جنه استرليني في حين أن قيمتها الحقيقية 16 مليون جنيه , أي أن بريطانيا رفضت الفرمان من أجل أن تحصل لضفة على القناة , أصرت على أن سيناء هي جزء من مصر فصدر فرمان بحق خديو مصر في حكم سيناء بما فيها طابا , ثم تجددت نوايا الدولة العثمانية في ظل ضعف سياسي وفي ظل سيطرة روحية أضعف فدخلت بقوة عثمانية الى طابا عام 1906 م وأصرت على أن طابا هي جزء من متصرفية القدس , وبالرغم من مساحتها الصغيرة جدا الا أن له موقع حساس لاشرافها على رأس خليج العقبة وهي جزء من قرية مصرية قديمة هي أم رشراش , و ميناء ايلات هو الجزء الاسرائيلي لتلك القرية التي ارادت اسرائيل صرف نظر مصر عنه في مفاوضات طابا وعودة لأحداث 1906 م , حيث وقف زعماء مصريون منهم الزعيم مصطفى كامل مع الدولة العثمانية نكاية في بريطانيا بعكس الشيخ علي يوسف صاحب جرية المؤيد وكذلك اختلف الرأي مع الأحزاب , وكان رأي مصطفى كامل أن ذلك مقدمة لفرض الحماية البريطانية على مصر , وهو ماحدث فعلا 1914م , ولولا أن العلامة 91 وضعت طابا ضمن الحدود المصرية نتيجة لرضوخ الدولة العثمانية لبريطانيا لما عادت الينا طابا وقد استولت قوى العدوان الثلاثي على سيناء عام 1956 م ثم عادت الينا مرة أخرى 1957 م ثم استولت اسرائيل على سيناء في 1967 م الذي ايدته كثير من الدول الغربية نتيجة لمنع عبد الناصر اسرائيل من المرور بمضيق تيران وبعد انتصارنا في الحرب 1973 م الغير كامل , كان من غير الممكن استرداد سيناء بالكامل الا بالدبلوماسية , وقبل عودة سيناء لمصر في 25 ابريل 1982 م كانت سيناء تراوغ للاحتفاظ بطابا وكانت تريد وقف المفاوضات , ولكن المفاوض المصري خبرة الاف السنين منذ عهد رمسيس الثاني وبعد موقعة قادش نجده يأخذ ابناء الامراء من خارج ليتعلموا في مصر ويكون ولاؤهم لها , فتجاوز المفاوض المصري مشكلة طابا في ذلك الوقت لتحول للتحكيم الدولي وذلك من 1982 م حتى 1986 م وقد اعترفت اسرائيل بصبر المفاوض المصري الذي شكل منذ الآف السنين والذي لم يقبل اطلاقا بتقسيم دولته وهو من كانت الدولة العثمانية قد فشلت في تقسيمه بعد أن فتت العراق لثلاث ولايات وسوريا لأربعة ولايات مصر واحدة بجيش واحد , فكيف براوغه مفاوض من دولة لم يتجاوز عمرها خمسة عقود . واسرائيل مع ذلك تتمسك بأحقيتها في ملك دولة سليمان التي لم تتجاوز ثمانون عاما حتى أنها تنسب كل منطقة بمسمياتها التاريخية - حتى لو كانت زورا - فعلى سبيل المثال تسمى خليج العقبة بخليج سليمان .
وقد تناول الشال ما نتعرض له الآن في المنطقة العربية نتيجة لمخطط برنارد لويس للشرق الأوسط بتفتيته ببث الفتن الطائفية وتقسيمه لدويلات على أساس طائفي ديني وبرنارد لويس اليهودي الديانة الصهيوني الهوية البريطاني المولد الأمريكي الجنسية وافق الكونجرس على قراره بالاجماع عاو 1983 م , حيث رأى أن العرب والمسلمين متخلفون ولا أمل في صلاحهم , وأنهم يشكلون تهديدا ارهابيا على الدول الغربية , وأنها أحاطت اوروربا في الماضي شرقا من الدولة العثمانية وغربا في الأندلس - في حين أن الدراسات التاريخية الغربية الحديثة تثبت أن العرب لم يدخلوا الأندلس لأهداف استعمارية - ومصر تتعرض الآن لضغوط غربية شديدة منذ تدبير حادثة البرجين وغزو افغانستان ثم العراق وتبع ذلك مقاومة مشروعة ومبررة ولم تفلح تلك الطرق جدواها فلجأ الغرب للاستعانة بابناء من المنطقة ليتم التفتيت وظهرت في مصر حركات الممانعة والمعارضة عام 2005 م بالاستهزاء بالحاكم فبدأ عملية اسقاط الحاكم منذ ذلك الحين , وتلك الوسائل جديدة استعملها الغرب وبدأ التخلص من أول الحكام العرب وهو صدام حسين وعلق القذافي بأن تلك رسالة من الغرب لأنهم هم رموز للدولة ارتبط بهم الشعب مهما كانت اخطاءهم وعلى سبيل المثال خروج الشعب المصري للتمسك بعبد الناصر على الرغم من هزيمته العسكرية في عام 1967 م , لذلك نظم جيشه وشن حربا بدءا من 9 مارس 1969 م يوم استشهاد الفريق عبد المنعم رياض حتى أغسطس 1970م ثم وقف اطلاق النار , ثم جاءت ثورات الربيع العربي وكان فرصة لاختبار اليمين الديني الاسلامي الذي لايؤمن بحدود الوطن الواحد _ بحسب قول جمال الدين الأفغاني - انه أينما كان الدين كان الوطن وان الوطن لا حدود له , وهذا ما أيده اليمين الاسلامي الذي لا يرتبط بوطن , في حين أن الاسلام لم يحدد شكلا للدولة الاسلامية , لأن كل دولة لها ظروف جغرافية وتاريخية مختلفة , وأي محاولة لدولة الخلافة في وقتنا الحالي محكوم عليها بالفشل لاختلاف الظروف جذريا في 80 دولة اسلامية , وبرغم كل هذه الظروف صمدت مصر .
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق