
أقيم يوم الاحد 25/7/2010م في اطار صالون الدكتور "محمد زكى العشماوى" الادبى ومركز النقد الأدبى بالقصر , لقاء مع الاستاذ الدكتور " السعيد الورقى " أستاذ الأدب العربى بكلية الأداب والدكتور محمد عبدالحميد أستاذ الادب العربى بكلية التربية, حول مناقشة المجموعة القصصية "حرج الاعرج " للأديب على الفقى .
من اليمين الدكتور محمد عبد الحميد , الكاتب علي الفقي , الدكتور السعيد الورقي
نبذة عن مجموعة حرج الأعمى للقاص على الفقي
في متن المجموعة القصصية الرابعة لعلي الفقي، " حرج الأعرج "*، تبدو جليا، إشكالية الانكسار بشقيها المادي والنفسي، حيث يتوغل هذا الحس في أغلب النصوص إن لم يكن كلها، مؤسسا ومؤطرا لرؤية الكاتب المستمدة من واقع يفرض طقوسه وظلاله على نفسيات شخوصه؛ مما يضعهم على محك التعامل الصعب، المحمل بالتوتر والترقب واليأس، والسوداوية في أغلب الأحوال، وربما لاح أمل كبصيص نور ينفلت من بين ثنايا الحكاية / المسرودة، في الوقت الذي تطل فيه الشخصية الساردة كمعول أساسي من معولات البناء الفني للنصوص ، و الذي يبدأ ـ غالبا ـ منطلقا من اللحظة / الحالة النفسية لذات السارد ، و الذي ربما كان مشاركا في الحدث السردي سواءا بالفعل ، أو بحكم التواجد الإنساني على أرض هذا الواقع ، و هذه النصوص / القطع الحياتية التي تمتح من ذات الواقع بصدق و حميمية قد تصل من فرط الإحساس بها ، و الالتصاق بها إلى حد التطابق ..
وقد قدم الدكتور محمد عبد الحميد دراسة لمجموعة حرج الأعرج بعنوان " حميمية الحكى الإنسانى" . رأى فيها أن على الفقى قدم فى هذه المجموعة القصصية من خلال أربع عشرة قصة تجربة سردية لها خصوصيتها من حيث الموضوع المعالج ، والتعبير الفنى الكاشف . كما تقدم للقارئ مذاقا له خصوصيته حينما يشف التعبير عن الموضوع فتجد نفسك تلمس موضوعات دون أن يفصلك عنها تعبير لغوى مغاير كأنك ترى الماء وتلمسه بيديك دونما أن ترى الزجاج الذى يحويه .
وبعفوية فى اختيار الموضوعات يكتب القاص على الفقى هذه التجارب بلغة أكثر عفوية ، قريبة المأخذ ، محققة التواصل والتعايش بين القارئ والموضوع المقروء إلى درجة الألفة والحميمية المؤنسة .
وأشد ما يلفت متأمل المجموعة برمتها هى مجموعة من الملاحظات التى ينبغى تسجيلها فى صدر هذه المقالة المتواضعة :
لعل أولها هو اختياره الذى عمد فيه إلى نماذج بشرية قل من يلتفت إليهم أو يسلط عليهم الأضواء الكاشفة أو قل من يشعر بظروفهم الطاحنة ومعاناتهم المستمرة ، غير أنهم – وهذا هو اللافت - راضون بقسمتهم قانعون بقدرهم دون شكاية ولا تململ ، إنهم من اصطلح على تسميتهم على المستوى الاجتماعى (المهمشين ) ، كعامل الحمَّام الأعرج الذى لم يلتفت أحد من المسؤلين أو حتى المحيطين بمأساته حينما فقد عمله تبعا للمتغير الذى طرأ وألغى الحمام العمومى الذى تماهى معه وأصبحا كالشئ الواحد مصيرا وحالا كما فى قصة ( حرج الأعرج ) .
غير أن المرأة التى تنتسب إلى تلكم الشرائح المهمشة فى مجتمعنا تعيش أبد الدهر فى قاعه ، لا تكاد ترى نور الشمس يغازلها ، ولا تطمع إلا فى بقاء واقعها الاجتماعى على حاله رغم سوئه .
ففى قصة ( مقاعد خالية ) يوقفنا القاص على تلك المرأة البسيطة التى لا مقعد لها فى هذه الحياة أو فى قطار الحياة الذى احتوى على زحام المتعبين ، وأخذت السلطة الزائفة المقاعد لأنفسها سواء التى هى فى خدمة الشعب أو الأخرى الدينية الشكلية التى لا روح فيها أو مضمون ، وتظل المرأة حاملة فى يد ثمرة تتشهى قطفها منذ سنوات عجاف وفى الأخرى تحمل ضعفها وقلة حيلتها .
وفى قصة ( الحارسة ) التى تتوحد فيها الحارسة مع البناية التى تحرسها ولا تسلم هى الأخرى من قهر السلطة المالكة للعمارة ويؤول بها الأمر فى النهاية إلى قيد الجبيرة من أثر سقوطها .
كذلك فى قصة ( خالتى نبيلة ) يظل نموذج المرأة المقهورة واضحا ، وهى التى تعودت أن تحمل أثقال الآخرين دون أن يشعر أحد بثقل ثديها الخبيث . والملاحظ فى النماذج الثلاثة الأخيرة أن هؤلاء النسوة لهن دور لا تؤديه غيرهن ، غير أنهن شقيات يرزحن تحت وطأة القهر الاجتماعى وخصوصا فى ريفنا المصرى الذى لا يزال يشهد خضوع المرأة لشبكة من الضغوطات النفسية والاجتماعية .
الأمر نفسه نلحظه فى قصة ( وقفة ) ، ففيها نموذج مشابه لهذه النماذج الثلاثة ، غير أن قصة (الشقيقات الثلاث ) تكشف عن لون آخر من المعاناة الأنثوية فى بيت خيمت عليه العنوسة والكآبة بعد رحيل أخيهن عنهن مختاراً غير عابئ . والقاسم المشترك الأعظم الذى يجمع بين تلكم النسوة هو بحثهن عن حقوقهن الضائعة سواء أضيعها المجتمع بتقاليده وقيمه أم ضيعها الأهل والأقارب .
ولعل ثانى أهم هذه القضايا الموضوعية التى عولجت فى الآن ذاته هى قضية الموت الذى لا مفر من حتميتة . غير أنه كالوحش الأعمى الذى يتخطف منا فرائسه دون أن نتوقع أو نعلم من الأمر شيئا ، فطارق بطل القصة المعنونة باسمه يظل طائر الموت يدور فوق رأسه حتى يقتنصه فى عنفوان العمل لأجل استمرارية وجوده فى الحياة مخلفا الأسى للراوى والصديقين " صلاح ومحروس " يجترون شريط الذكريات لا تبارح أعينهم صورة مريم ابنته الوحيدة ، ولا يزال طارق يطرق دائما مشاعرهم فيهزها حتى لا ينمحى وينسى وسط زحام الحياة . وتظل المجموعة تعيد العزف على ذلك الوتر الموجع فى قصة ( وصل أخير ) . كما يخايل الراوى شبح الموت فى غمرة تأنقه كما فى قصة ( الرجل والطائر ) . هذه الموضوعات وغيرها من موضوعات إنسانية تشعرك أن الكاتب يعالجها من داخلها بلغة حكائية حميمية ، مؤكدة فى الآن نفسه قرب المسافة الشديد بين الكاتب والراوى لدرجة التطابق أحيانا وكأنها لقطات حياتيه عاشها المؤلف أو هو على الأقل جزء من نسيجها ، مركزا فى غير موضع من المجموعة على فكرة طالما يقع أسيرها الإنسان ، وهى أنه - غالبا - ما يتحرك متأخرا ، ويبحث عن أشياء ولكن بعد فوات الزمان ويدرك قيمته ولكن ( لات ساعة مندم كما يقول العرب ) ، كما فى قصتى ( أخ وحيد ) و ( ضوء قمر غير مكتمل ) .
وعلى مستوى البناء الفنى يأخذ المكان والزمان ضلعين أساسين فى بناء القصة ، ليس على أسلوب المنحى الكلاسيكى الواقعى وإنما بالإفادة من تقنية المكان والزمان الجديدة فى القص ؛ فالمكان ليس إطارا للأحداث فحسب إنما جزء عضوى له جماليته ، فالقطار فى قصة ( مقاعد خالية ) أضحى مجتمعا قائما برأسه فى نحو يشبه الاختزال ، إنه المجتمع المهمش حتى بما يضمه من سلطات وأفراد غير أنه يسير ويمارس حياته رغم بؤسها . ويقدم الراوى لوحة وصفية يتوقف عندها السرد ، حينما يصف حالة من الفوضى والبؤس والفقر الذى تنتشر رائحته بالعشة التى يسكنها عامل الحمام الأعرج وزوجه العجوز ، وفى أحد أجزاء هذه اللوحه الواصفة تواضع غرفته يقول "... تحت السرير شباشب قديمة ،أوراق صفراء لجرائد من سنوات بعيدة تكسرت بين أصابعى بمجرد لمسها .. صفحة من دفتر تأمين صحى قديم .. صورة للفناجيلى لا يبدو منها سوى اسمه تحت الفانلة الرمادية المتسخة .. تذكرة قديمة لقطار الصحافة المتجه للعاصمة بعشرين قرشا .. طاقية صوف نقرشتها الفئران .. بقايا ايصالات كهرباء وماء .. محضر حجز ادارى على تليفزيون أبيض وأسود وفاء لدين أجرة الحجرة . " وكما يفيد الراوى من تصويره لمكان المولد فى قصة ( ضوء قمر غير مكتمل ) ؛ حينما يقترب المكان منه تتعالى أصواته كما فى التقنية السينيمائية المعروفة . كذلك يأخذ المكان بعدا جماليا حينما يكون شاهدا على الزمان المنصرم ( الزمن الجميل ) فالحمام يمثل رمزا لوجود الأعرج وبقائه فى هذه الحياه مجترا ذكرياته معه ، فحينما ألغى الحمام يكاد الأعرج هو الآخر يكون قد ألغى من الحياة .
وبوابة العمارة فى قصة ( الحارسة ) تمثل وجود الحارسة وحياتها ، وحائط الأمان من قهر الزمان .
وعلى مستوي السرد فإنا نرى الكاتب كثيرا ما لعب لعبة استعادة الزمن والاسترجاع ، وظل على طول قصصه يراوح بين زمن الغياب وزمن الحضور ، مؤكدا إفادته القصوى مما يسمى فى زمن السرد " الزمن النسبى وطرقه البنائية " ، ففى قصة ( حرج الأعرج ) يستحضر لنا الراوى مشاهد طفولته مع عامل الحمام - وهو معه الآن فى الزمن الراهن - ، وفى قصة ( خالتى نبيلة ) نراه يملئ فجوات المتن الحكائى بمعلومات من خلال ارتحال الذاكرة إلى الوراء وإلى الأمام ، وفى قصة ( الرجل والطائر ) يستعيد الراوى شريط الذكريات وأحداث الحياه الممتدة لدى إحساس لاذع بالموت القادم ، وفى قصة ( طارق ) تصوير دقيق لازدحام الأحداث وإيقاعها ، واسترجاع مواقف حياتيه من الماضى مع طارق لاتصالها بموضوع الحاضر ، وهكذا تظل الحركة البندولية لزمن الحكى بين الماضى والحاضر مستمرة فى قصص المجموعة محققة نشاطاً سردياً ملحوظاً وتواصلاً فاعلاً بين القص والقارئ .
غير أن هناك ارتباكا فى سرد الأحداث ولغة السرد قد نال أحياناً من بعض قصص المجموعة ؛ وأظنه راجعا الى الخطأ اللغوى فى الأساس ، نلحظ ذلك جليا فى قصة ( الرجل والطائر ) وفى هذه أظنه راجعاً إلى ترتيب الأحداث على مستوى المتن الحكائى ثم إعادة تشكيلها على مستوى المبنى الحكائى .
وعلى العكس من ذلك فان الكاتب برهن على امتلاكه القدرة فى السرد الفنى للأحداث فى معظم قصص المجموعة وأضرب مثالا بقصة ( ضوء قمر غير مكتمل ) حيث جاءت القصة جيدة فى ترتيب أحداثها وحبكتها فى سلاسة وانسيابية غير ملبسة .
كما أن عنوان المجموعة فى ظنى غير دال بدقة على قصص المجموعة خاصة استخدامه للفظ ( حرج ) ، ومع ذلك فالمجموعة قد استخدمت لغة واقعية تنسجم مع موضوعاتها وإن كان بمقدور الكاتب أن يصوغ الحوار والسرد كليهما بالفصحى ، إلا أنه اختار لغة تراوح بين هذا وذاك .
وعلى أية حال فالمجموعة جيدة وحضور الكاتب فيها جلى بشخصه وأصدقائه مما يؤكد على أن الواقع الاجتماعى والإنسانى معينا وافرا لمن يمتح منه خامات لإعادة تقديمها فنيا .
نشكره على ما أتاحه لنا من وقت ممتع لقراءة محموعته ، متمنين له التوفيق فيما يستقبل من أعمال أخرى .
وبعفوية فى اختيار الموضوعات يكتب القاص على الفقى هذه التجارب بلغة أكثر عفوية ، قريبة المأخذ ، محققة التواصل والتعايش بين القارئ والموضوع المقروء إلى درجة الألفة والحميمية المؤنسة .
وأشد ما يلفت متأمل المجموعة برمتها هى مجموعة من الملاحظات التى ينبغى تسجيلها فى صدر هذه المقالة المتواضعة :
لعل أولها هو اختياره الذى عمد فيه إلى نماذج بشرية قل من يلتفت إليهم أو يسلط عليهم الأضواء الكاشفة أو قل من يشعر بظروفهم الطاحنة ومعاناتهم المستمرة ، غير أنهم – وهذا هو اللافت - راضون بقسمتهم قانعون بقدرهم دون شكاية ولا تململ ، إنهم من اصطلح على تسميتهم على المستوى الاجتماعى (المهمشين ) ، كعامل الحمَّام الأعرج الذى لم يلتفت أحد من المسؤلين أو حتى المحيطين بمأساته حينما فقد عمله تبعا للمتغير الذى طرأ وألغى الحمام العمومى الذى تماهى معه وأصبحا كالشئ الواحد مصيرا وحالا كما فى قصة ( حرج الأعرج ) .
غير أن المرأة التى تنتسب إلى تلكم الشرائح المهمشة فى مجتمعنا تعيش أبد الدهر فى قاعه ، لا تكاد ترى نور الشمس يغازلها ، ولا تطمع إلا فى بقاء واقعها الاجتماعى على حاله رغم سوئه .
ففى قصة ( مقاعد خالية ) يوقفنا القاص على تلك المرأة البسيطة التى لا مقعد لها فى هذه الحياة أو فى قطار الحياة الذى احتوى على زحام المتعبين ، وأخذت السلطة الزائفة المقاعد لأنفسها سواء التى هى فى خدمة الشعب أو الأخرى الدينية الشكلية التى لا روح فيها أو مضمون ، وتظل المرأة حاملة فى يد ثمرة تتشهى قطفها منذ سنوات عجاف وفى الأخرى تحمل ضعفها وقلة حيلتها .
وفى قصة ( الحارسة ) التى تتوحد فيها الحارسة مع البناية التى تحرسها ولا تسلم هى الأخرى من قهر السلطة المالكة للعمارة ويؤول بها الأمر فى النهاية إلى قيد الجبيرة من أثر سقوطها .
كذلك فى قصة ( خالتى نبيلة ) يظل نموذج المرأة المقهورة واضحا ، وهى التى تعودت أن تحمل أثقال الآخرين دون أن يشعر أحد بثقل ثديها الخبيث . والملاحظ فى النماذج الثلاثة الأخيرة أن هؤلاء النسوة لهن دور لا تؤديه غيرهن ، غير أنهن شقيات يرزحن تحت وطأة القهر الاجتماعى وخصوصا فى ريفنا المصرى الذى لا يزال يشهد خضوع المرأة لشبكة من الضغوطات النفسية والاجتماعية .
الأمر نفسه نلحظه فى قصة ( وقفة ) ، ففيها نموذج مشابه لهذه النماذج الثلاثة ، غير أن قصة (الشقيقات الثلاث ) تكشف عن لون آخر من المعاناة الأنثوية فى بيت خيمت عليه العنوسة والكآبة بعد رحيل أخيهن عنهن مختاراً غير عابئ . والقاسم المشترك الأعظم الذى يجمع بين تلكم النسوة هو بحثهن عن حقوقهن الضائعة سواء أضيعها المجتمع بتقاليده وقيمه أم ضيعها الأهل والأقارب .
ولعل ثانى أهم هذه القضايا الموضوعية التى عولجت فى الآن ذاته هى قضية الموت الذى لا مفر من حتميتة . غير أنه كالوحش الأعمى الذى يتخطف منا فرائسه دون أن نتوقع أو نعلم من الأمر شيئا ، فطارق بطل القصة المعنونة باسمه يظل طائر الموت يدور فوق رأسه حتى يقتنصه فى عنفوان العمل لأجل استمرارية وجوده فى الحياة مخلفا الأسى للراوى والصديقين " صلاح ومحروس " يجترون شريط الذكريات لا تبارح أعينهم صورة مريم ابنته الوحيدة ، ولا يزال طارق يطرق دائما مشاعرهم فيهزها حتى لا ينمحى وينسى وسط زحام الحياة . وتظل المجموعة تعيد العزف على ذلك الوتر الموجع فى قصة ( وصل أخير ) . كما يخايل الراوى شبح الموت فى غمرة تأنقه كما فى قصة ( الرجل والطائر ) . هذه الموضوعات وغيرها من موضوعات إنسانية تشعرك أن الكاتب يعالجها من داخلها بلغة حكائية حميمية ، مؤكدة فى الآن نفسه قرب المسافة الشديد بين الكاتب والراوى لدرجة التطابق أحيانا وكأنها لقطات حياتيه عاشها المؤلف أو هو على الأقل جزء من نسيجها ، مركزا فى غير موضع من المجموعة على فكرة طالما يقع أسيرها الإنسان ، وهى أنه - غالبا - ما يتحرك متأخرا ، ويبحث عن أشياء ولكن بعد فوات الزمان ويدرك قيمته ولكن ( لات ساعة مندم كما يقول العرب ) ، كما فى قصتى ( أخ وحيد ) و ( ضوء قمر غير مكتمل ) .
وعلى مستوى البناء الفنى يأخذ المكان والزمان ضلعين أساسين فى بناء القصة ، ليس على أسلوب المنحى الكلاسيكى الواقعى وإنما بالإفادة من تقنية المكان والزمان الجديدة فى القص ؛ فالمكان ليس إطارا للأحداث فحسب إنما جزء عضوى له جماليته ، فالقطار فى قصة ( مقاعد خالية ) أضحى مجتمعا قائما برأسه فى نحو يشبه الاختزال ، إنه المجتمع المهمش حتى بما يضمه من سلطات وأفراد غير أنه يسير ويمارس حياته رغم بؤسها . ويقدم الراوى لوحة وصفية يتوقف عندها السرد ، حينما يصف حالة من الفوضى والبؤس والفقر الذى تنتشر رائحته بالعشة التى يسكنها عامل الحمام الأعرج وزوجه العجوز ، وفى أحد أجزاء هذه اللوحه الواصفة تواضع غرفته يقول "... تحت السرير شباشب قديمة ،أوراق صفراء لجرائد من سنوات بعيدة تكسرت بين أصابعى بمجرد لمسها .. صفحة من دفتر تأمين صحى قديم .. صورة للفناجيلى لا يبدو منها سوى اسمه تحت الفانلة الرمادية المتسخة .. تذكرة قديمة لقطار الصحافة المتجه للعاصمة بعشرين قرشا .. طاقية صوف نقرشتها الفئران .. بقايا ايصالات كهرباء وماء .. محضر حجز ادارى على تليفزيون أبيض وأسود وفاء لدين أجرة الحجرة . " وكما يفيد الراوى من تصويره لمكان المولد فى قصة ( ضوء قمر غير مكتمل ) ؛ حينما يقترب المكان منه تتعالى أصواته كما فى التقنية السينيمائية المعروفة . كذلك يأخذ المكان بعدا جماليا حينما يكون شاهدا على الزمان المنصرم ( الزمن الجميل ) فالحمام يمثل رمزا لوجود الأعرج وبقائه فى هذه الحياه مجترا ذكرياته معه ، فحينما ألغى الحمام يكاد الأعرج هو الآخر يكون قد ألغى من الحياة .
وبوابة العمارة فى قصة ( الحارسة ) تمثل وجود الحارسة وحياتها ، وحائط الأمان من قهر الزمان .
وعلى مستوي السرد فإنا نرى الكاتب كثيرا ما لعب لعبة استعادة الزمن والاسترجاع ، وظل على طول قصصه يراوح بين زمن الغياب وزمن الحضور ، مؤكدا إفادته القصوى مما يسمى فى زمن السرد " الزمن النسبى وطرقه البنائية " ، ففى قصة ( حرج الأعرج ) يستحضر لنا الراوى مشاهد طفولته مع عامل الحمام - وهو معه الآن فى الزمن الراهن - ، وفى قصة ( خالتى نبيلة ) نراه يملئ فجوات المتن الحكائى بمعلومات من خلال ارتحال الذاكرة إلى الوراء وإلى الأمام ، وفى قصة ( الرجل والطائر ) يستعيد الراوى شريط الذكريات وأحداث الحياه الممتدة لدى إحساس لاذع بالموت القادم ، وفى قصة ( طارق ) تصوير دقيق لازدحام الأحداث وإيقاعها ، واسترجاع مواقف حياتيه من الماضى مع طارق لاتصالها بموضوع الحاضر ، وهكذا تظل الحركة البندولية لزمن الحكى بين الماضى والحاضر مستمرة فى قصص المجموعة محققة نشاطاً سردياً ملحوظاً وتواصلاً فاعلاً بين القص والقارئ .
غير أن هناك ارتباكا فى سرد الأحداث ولغة السرد قد نال أحياناً من بعض قصص المجموعة ؛ وأظنه راجعا الى الخطأ اللغوى فى الأساس ، نلحظ ذلك جليا فى قصة ( الرجل والطائر ) وفى هذه أظنه راجعاً إلى ترتيب الأحداث على مستوى المتن الحكائى ثم إعادة تشكيلها على مستوى المبنى الحكائى .
وعلى العكس من ذلك فان الكاتب برهن على امتلاكه القدرة فى السرد الفنى للأحداث فى معظم قصص المجموعة وأضرب مثالا بقصة ( ضوء قمر غير مكتمل ) حيث جاءت القصة جيدة فى ترتيب أحداثها وحبكتها فى سلاسة وانسيابية غير ملبسة .
كما أن عنوان المجموعة فى ظنى غير دال بدقة على قصص المجموعة خاصة استخدامه للفظ ( حرج ) ، ومع ذلك فالمجموعة قد استخدمت لغة واقعية تنسجم مع موضوعاتها وإن كان بمقدور الكاتب أن يصوغ الحوار والسرد كليهما بالفصحى ، إلا أنه اختار لغة تراوح بين هذا وذاك .
وعلى أية حال فالمجموعة جيدة وحضور الكاتب فيها جلى بشخصه وأصدقائه مما يؤكد على أن الواقع الاجتماعى والإنسانى معينا وافرا لمن يمتح منه خامات لإعادة تقديمها فنيا .
نشكره على ما أتاحه لنا من وقت ممتع لقراءة محموعته ، متمنين له التوفيق فيما يستقبل من أعمال أخرى .
أما الدكتور السعيد الورقي فقدم دراسة بعنوان "علي الفقي والتجديد في السرد الواقعي" . رأى فيها أنه منذ الستينات وكتاب القصة يحاولون بأساليب مختلفة أن يخرجه عن دائرة الحكي في أبنيتهم السردية . ومع أن بعض الأعمال التي قدمت كانت أعمالا مبهرة وممتعة فنيا , الا أن الاشكالية التي ارتبطت بهذه الأعمال التجريبة كانت في ضيق مساحة التلقي , فلم تستطع هذه الأعمال أن تلقي الترحيب والتأييد من جمهور الناس , فخسرت مصداقيتها في الالتقاء بالناس والتوصيل , وتأتي الاشكالية هنا من حيث ان فنون السرد قبل كل شئ فنون جماهيرية تقوم أولا وأخيرا على الحكي وما يتصل به من سحر خاص متصل بالقوانين الفطرية في الانسان .
ونماذج علي الفقي نماذج انسانية بيسيطة وعادية ممن تصادفهم كل يوم في حياتك اليومية , يبحثون
في دأب متواصل عن أسباب الحياة التي يمارسونها بحب مع ماضيها آحيانا من قسوة لكنهم يدركون أن السيطرة على هذه القسوة هي لذة الحياة ومتعتها . والؤية في مجموعة حرج الأعرج رؤية واقعية انسانية . تقدم صياغة حركة الانسان في سعيه الانساني مسلما بكل القيم التي حفظتها ذاكرته وتتمثلها بوعيه . من هنا امتلأ الفضاء السردي بمفردات الواقع في حضوره الانساني .
حرج الأعرج بعنوانها التقليدي الذي يتوافق ايضا مع سائر عناوين المجموعة القصصية الأخيرة لعلي الفقي 2010م. قدمت فنا حقيقيا يؤمن بالحكي وبقدرته السحرية التي توفر للناس عالما سحريا من الآلام والمخاوف والأحلام والرغبات , فتخلق لهم حياتهم كما يريدون , في لحظات توترها المؤلم والذيذ والمدهش والمخيف بيم مايحدث ومايريدون .
استطاع علي الفقي أن يقدم هذا الحكي المتفرد الذكي من خلال مهارة حكواتي فنان متجدد الفهم والاحساس .
ونماذج علي الفقي نماذج انسانية بيسيطة وعادية ممن تصادفهم كل يوم في حياتك اليومية , يبحثون
في دأب متواصل عن أسباب الحياة التي يمارسونها بحب مع ماضيها آحيانا من قسوة لكنهم يدركون أن السيطرة على هذه القسوة هي لذة الحياة ومتعتها . والؤية في مجموعة حرج الأعرج رؤية واقعية انسانية . تقدم صياغة حركة الانسان في سعيه الانساني مسلما بكل القيم التي حفظتها ذاكرته وتتمثلها بوعيه . من هنا امتلأ الفضاء السردي بمفردات الواقع في حضوره الانساني .
حرج الأعرج بعنوانها التقليدي الذي يتوافق ايضا مع سائر عناوين المجموعة القصصية الأخيرة لعلي الفقي 2010م. قدمت فنا حقيقيا يؤمن بالحكي وبقدرته السحرية التي توفر للناس عالما سحريا من الآلام والمخاوف والأحلام والرغبات , فتخلق لهم حياتهم كما يريدون , في لحظات توترها المؤلم والذيذ والمدهش والمخيف بيم مايحدث ومايريدون .
استطاع علي الفقي أن يقدم هذا الحكي المتفرد الذكي من خلال مهارة حكواتي فنان متجدد الفهم والاحساس .
اجزاء من الندوة :
http://www.youtube.com/watch?v=tfe_yexu4q0
http://www.youtube.com/watch?v=3x0qEPQSkZE
http://www.youtube.com/watch?v=uo-gVz1KDy8
http://www.youtube.com/watch?v=Bz5u3xodfOg
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق