الأنفاق بين مصر وغزة
للأنفاق بين مصر وغزة قصص وحكايات من التاريخ والسياسة لنعرف أين تقع المشكلة , كان يجب علينا وضع أيدينا على الجذور . وكان هذا هو موضوع الذي أقامه القسم الثقافي لقصر التذوق سيدي جابر التابع للهيئة العامة للقصور المتخصصة التابعة للادارة المركزية للدراسات والبحوث لصالون الدكتور محمود الشال يوم الأحد الموافق 13/9/2015 وقد أدار اللقاء الباحثة سعاد محمد بقسم التاريخ كلية الاداب جامعة الاسكندرية .
في البداية تناولت الباحثة سعاد محمد جغرافية غزة من مساحة تبلغ 360 كم مربع يحدها من الشمال والشرق اسرائيل ومن الغرب البحر المتوسط وفي الجنوب الغربي مصر , وغزة ثاني اكبر مدينة بعد فلسطين , وتعتبر من أكثر المدن كثافة على مستوى العالم حيث كانت ملاذا للفلسطينيين بعد 1948 م , وساهمت غزة قي الحركات السياسية منذ نهايات القرن التاسع عشر وبدايات العشرين وظهور الحركات العربية مثل العربية الفتاة والتي كانت همزة وصل بين الشريف حسين وبين الضباط العرب في الجيش التركي ضد الدولة العثمانية , ونتيجة لتلك الثورة التي قامت عام 1916 م دخل الجيش العثماني غزة للتحصن بها , خاصة بعد ان حاصرها الأمير فيصل ابن الشريف حسين من جهة والجيش الانجليزي ترك قناة السويس وذهب للمحاصرة من جهة أخرى , وانتهى الامر بانتصار الجنرال البريطاني اللنبي على القوات المحصنة بغزة ودخوله القدس عام 1917 م , وقسمت فلسطين لأربع أقضية : القدس ويضم اريحا وبيت لحم , يافا ويضم اللد والرملة , بئر السبع ويضم الخليل , المجدل ويضم غزة وعسقلان , وقد شارك أهل غزة في الجمعيات الوطنية الاسلامية والمسيحية للنهوض بأحوال أهل غزة بعد التعاون الذي ظهر بين المستعمر البريطاني والجمعيات الصهيونية ووثق بعد وعد بلفور , ونجد أن أهل غزة رشقوا وزير المستعمرات تشرشل عندما مر بغزة قادما من مصر للقدس للاحتفال به من قبل حاكم غزة العسكري , وقد قام أهل غزة عام 1929م بمهاجمة مستعمرة تعابيا التي تقع الى الشمال منها بعد أن حدث نزاع بين المسلمين واليهود على أحقية حائط البراق ولم يعد الى تلك المستعمرة سكان من اليهود الا بعد عام 1948م . وقام أهل غزة بالمشاركة في مؤتمر التسليح عام 1931م في نابلس كرد فعل على تهريب السلاح ضد اليهود , وقامت عصابات اليهود عام 1936م باغتيال الزعيم الفلطيني عز الدين القسام زعيم جماعة الشبان المسلمين فقامت غزة بالدخول في مرحلة الكفاح المسلح ضد عصابات اليهود والاستعمار البريطاني فحدثت أزمة لم يتدخل في حسمها ورفع الحصار عن غزة الا الملوك العرب , وساد وقت من الجمود السياسي فترة الحرب العالمية الثانية " 1939-1945",وقامت الهيئةالعربية العليا لتحمل مسئولية القيادة الفلسطينية فنيا واداريا عام 1946 ثم جاء قرار تقسيم فلسطين عام 1947 م فأضربت الهيئة العربية العليا على هذا القرار لمدة ثلاث أيام , واعتبرت غزة ممرا للسلاح من مصر لفلسطين وقامت حرب 1948 م ودخلت الجيوش النظامية لفلسطينومنها الجيش المصري والذي لم يكن يملك خريطة لفلسطين وتعاونت المنظمات في غزة في حماية الشواطئ والطرق والسكك الحديدية مع الجيش المصري ضد العصابات اليهودية لكن النصر حالف اليهود فظهر التشكيك بين الجيش المصري وأهل غزة فقبض الجيش المصري على عدد من السكان المحليين بتهمة التعاون مع اليهود , ولم يعد الجيش المصري ممسكا بزمام الأمور وحدث الحصار لمدينة الفالوجا وتم طلب النجدة من الجيش الأردني لفك الحصار عن الجيش المصري باعتباره الأقرب له فرفض الجيش الأردني , معللا الملك عبد الله ملك الأردن من خوفه على فلسطين من قريب حاسد أكثر من عدو حاقد , ونادت الأمم المتحدة بعقد الهدنة بين الجيوش , وتم بينهم الهدنة في رودس وحدث الخلاف حول مستقبل غزة , ثم كان قطاع غزة تحت الادارة المصرية بالاتفاق مع جامعة الدول العربية فأرسلت مصر عدد من الضباط وحرس الحدود وموظفين اداريين لتسيير أعمال وأصبح حسين سري حاكم عسكري لها , ثم كان العام 1955م وقام اللواء محمد نجيب بتعيين الاميرالاي عبد الله رفعت حاكما اداريا عليها وقامت اسرائيل بالضغوط لدفع ابناء فلسطين لسيناء لتكوين دولة لهم تحت غطاء تحسين أحوالهم المعيشية. وقد اتفقت وكالة الغوث الدولية أو الاونوروا مع مصر بتوفير مياه للفلسطينيين من مياه النيل تبلغ 250 مليون متر مكعب ومصر أعطت لوكالة غوث حق اختيار 230 الف فدان لاقامة مشاريع عليها فضلا عن 50 الف فدان للاستصلاح الزراعي وتوطين 214 الف نسمة وبذلك اتضح ان وكالة الغوث تهدف الى خدمة اسرائيل ورفض اهل فلسطين هذا المشروع سواء من الاخوان او الشيوعيين وقامت الاشتباكات بين القوات المصرية واهل غزة فقتل احد السكان فزاد الاحتقان بين الجانبين , ولم تهدأ الاوضاع الا بزيارة عبد الناصر لقطاع غزة ووعدهم انه سيلبي لهم كل رغباتهم , وكانت ابرز مطالبهم بتدريب الفلسطينيين اجباريا تدريبا عسكريا , والغاء التأشيرات لأهل فلسطين عند الدخول أو الخروج من غزة ,الغاء مشروع التوطين والقبض على من قتل المواطن الفلسطيني واعادة خطة السكة الحديد بين مصر وغزة , وقامت اسرائيل بغارة على مخيم البريك 1955م فأخرجت مصر من سياسة الحياد وكان عليه أن تتبع المعسكر الشرقي أو الغربي فاضطرت لطلب السلاح من الاتحاد السوفيتي لرفض الولايات المتحدة اعطائه لها , فهاجمت اسرائيل قطاع غزة ليخضع لها ووصلت تلك الأزمة للامم المتحدة لحماية المستوطنات اليهودية الا أن الأمم المتحدة ارادت أن تعود للحكم المصري عام 1957 م وحتى عام 1964 م شهدت مرحلة من الهدوء النسبي الى أن جاءت منظمة التحرير الفلسطينية لتوحيد كل الجبهات الفلسطينية والتي لم تجد قبولا لبعض الفلسطينيين وبعض الدول العربية خاصة الاردن التي رأت فيها تهديدا للضفة الغربية , ولكن الملك حسين طمأنه عبد الناصر بأنها لا تحمل تهديدا للضفة الغربية وبعد مجيء عام 1967 م خرج القطاع من الحكم المصري للاحتلال الفلسطيني التي استولت على المصادر الطبيعية له من أرض وماء لاضعاف الاقتصاد الفلسطيني , واغلقت البنوك الفلسطينية والعربية والاجنبية والاقتصار على البنوك الاسرائيلية والاستيلاء على أموال الجمارك وضرائب الاستيراد وفرضت ضريبة استعمال النقد الشيكل الاسرائيلي , وكل هذه السياسات وغيرها أدت الى ارتفاع نسبة البطالة الى ستين بالمائة وارتفاع معدل الفقر ثم ربط العمالة الفلسطينبة بالسوق الاسرائيلية وربط المناطق المحتلة بشبكة الكهرباء الاسرائيلية , التوقف عن منح رخص استيراد الات صناعية لمنع قيام صناعة جديدة , نقل الصناعة الاسرائيلية الخطرة وذات الكثافة العمالية لداخل المناطق السكنية الفلسطينية تمهيدا لاخلائها فيما بعد واعتبارها أماكن عسكرية وسيطرت على المعابر العسكرية الخمسة : معبر المنطار , معبر الشجاعية , معبر صوفا , معبر كرم أبو سالم , معبر رفح . وهنا أجبرت اسرائيل فلسطين على ترتيب الولويات من مقاومة الاحتلال الى مقاومة الفقر الذي خلفه الاحتلال , ومن البحث عن الحرية الى البحث عن لقمة العيش , ولذلك وجدوا مفرا من غلق المعابر الى الانفاق التي وجدها البعض رئة يتنفس منها حوالي مليون ونصف مليون نسمة , ولم تكن الانفاق بدعة فلسطينية فكانت تلك حيلة للفيتناميين وقت الحرب مع امريكا وقد أتى بأثره , وأول من قام بحفر الانفاق رجلا يدعى محمد الأسود أو جيفارا غزة مسئول الجبهة الشعبية لفلسطين ومن أشهر العائلات التي احترفت الحفرعائلة الاسطل و عائلة الشاعر من رفح الفلسطينية وكانا من مؤيدي حركة المقاومة المسلحة ضد اسرائيل , وكانت هذه الانفاق مصدر دخل لها , وتمكنت من استغلال اليد العاملة الكثيفة هناك في حفر الانفاق وتميزت هذه الانفاق بتهريب السلاح الى حماس , وللانفاق ثلاثة أنواع : النوع الأول العادي وهو منتشر مابن مصر وقطاع غزة وهي ذات طابع اقتصادي , لجلب البضائع والمواد الخام من مصر لقطاع غزة , وقد تم اغلاق معظمها , والنوع الثاني ذو طبيعة معقدة وله فروع متعددة صمم لاخفاء مخزون الصواريخ والقاذفات , وتحفر تحت المخيمات والمدن الفلسطينية لا سيما في خان يونس ورفح وجباليا وكانت بمثابة غرف عمليات عندما يتم الحرب على قطاع غزة , النوع الثالث وهي الموجودة على طول الحدود مع اسرائيل , وهي من أجل التنقل من غزة الى العمق الاسرائيلي , وتمكنت اسرائي من مقاومتها بانشاء سياج أمني على طول الحدود مع غزة , وطول الانفاق بين مصر وغزة على طول شريط حدودوي حواليمن البحر غربا وحتى حدود 1967م , 14 كم وتتميز بوجودها في تربة طينية تسمح بوجود الانفاق , وبعد وصول حماس للسلطة زاد عدد الانفاق لما يزيد عن 200 نفق مابين مصر وقطاع غزة 2007م وزاد عدد هذا أضعاف فيما بعد , ويتراوح طول الانفاق من 200 الى 1000 متر وعرضها من نصف متر الى مترين بينما يصل ارتفاعها الى حوالى متر ونصف وتحفر على عمق من 8 الى 15 متر تحت سطح الارض وقد تصل في بعض الاحيان الى ثلاثين متر تحت الارض اما بالنسبة لتكلفة الانفاق فيتكلف النفق الواحد مابين 70ألف الى 100 ألف دولار حسب الطول , وملكية النفق تكون مشتركة عائدها يعود على المساهمين والاستيراد الشهري عبرها يقدر مابين 35 الى 40 مليون دولار وحجم الاستيراد السنوي حوالى 650 مليون دولار , أما الأرباح التي يجنيها أصحاب الانفاق والعاملين فيه تقدر بنحو 200 الى 300 مليون دولار في حالة احتساب الارباح من 30 الى 50 بالمائة وتصل احيانا نسبة الارباح الى مائة بالمائة ويتراوح عدد عمال الانفاق مابين خمسة الاف الى سبعة الاف عامل معظمهم من الاطفال والشباب والعدد يزداد كلما اتسعت اعمال البناء ويتقاضى العامل مابين 300 الى 500 دولار حسب المخاطر التي يتعرض لها , وأما ضحايا الانفاق فيذكر ميزان لحقوق الانسان فوصل عددهم من عام 2006 الى 2011 الى 197 قتيلا وفي عام 2013 ازداد الى 232 قتيلا من بينهم 10 اطفال وعشرين بالمائة منهم ماتوا نتيجة للقصف الاسرائيلي والسلع المتداولة عبر الانفاق فكانت على رأسها المواد الغذائية , الوقود , الملابس , العقاقير , واسطوانات الغاز , السجائر , الحديد , الاسمنت . ويفضل اهل غزة الجازة والمحروقات المصرية عن الاسرائيلية لأنهم يأخذونها بنصف ثمنها , ثم وصل التهريب الى تهريب الحيوانات كالبقر والماعز , وحتى القرود والتماسيح والطيور والتي تصل لحديقة حيوان غزة ويذكر أحد العمال أن أسدا هاجم ناقليه من مصر لغزة لولا قتله في الوقت المناسب , وقد علق الرئيس الاسرائيلي اشين بيت ان مصر تعرف من هم المهربون كما انهم تلقوا منا معلومات استخباراتية ولم يستخدموها , وايضا احد اعضاء حزب الليكود ورئيس سابق للجنة العلاقات الخارجية والدفاع في الكنيست اتهم مصر يتزويد حماس بعشرين الف بندقية وستمائة صاروخ مضاد للدبابات واطنان من المتفجرات وعشرات من صواريخ كاتيوشا وذلك في 2007 م , وطالبت اسرائيل الكونجرس وقف المساعدات العسكرية لمصر في نفس العام لاتهامها بالتساهل في دخول الاسلحة عبر الانفاق لقطاع غزة . أما موقف مصر مكن الانفاق نجد انها قامت في 2004 بالقضاء على 30 نفق , 2005 على 25 نفق , 2006 على 73 نفق , ونظرت الولايات المتحدة على ذلك بأنها جزء لايتجزأ من شبكة الارهاب العالمي , فرأت أن تزود مصر بالاجهزة للكشف عن الانفاق مثل اجهزة الاستشعار عن بعد , وتشكيل لجنة امن ثلاثية , وغيرها فقامت المظاهرات في فلسطين لفتح المعابر او ترك الانفاق , وكانت الانفاق ملجئا للقيادات التي فشلت اسرائيل في اغتيالهم , واثر الانفاق بأن جعلت السوق الفلسطيني مستهلكا غير منتجا , وادى لانتشار الممنوعات وعمالة الاطفال وخلق طبقة من الاثرياء تتحكم في قطاع غزة , واسرائيل زادت من تحكمها في الانفاق وغلق المعابر وزاد التوتر بين مصر والسلطة الفلسطينية حيث شكلت الانفاق وعلاقتها بالجماعات الارهابية تهديدا أمنيا عليهاوقد أسست حكومة حماس وزارة خاصة للانفاق وخصصت جزء من دخلها على الانفاق على الاسر التي فقدت عائلها في عمليات الحفر. أما الولايات المتحدة فقد أيدت كلا من مصر واسرائيل في موقفهما هذا .
بعض صور الندوة
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق