الأحد 27/9/2009م
مناقشة رواية " ساقي اليمنى " للكاتب "وائل وجدي " . ناقشها الأستاذ الدكتور "السعيد الورقي " أستاذ النقد الدبي بكلية الأداب , جامعة الاسكندرية , والناقد " شوقي بدر يوسف " والشاعر " أحمد فضل شبلول " .
علق الأستاذ أحمد فضل شبلول عن تجربة تلك الرواية وشبهها بالتجربة الحربية في الأدب , التي يكتبها من ضروا الحروب من جنود ومراسلين . والكاتب هنا يحكي عن تجربة مرضية تحتاج لوعي ويقظة ., والتقاط مفردت لايدركها سوى المريض . ولايعرفه سوى المريض .
ومثل لكتاب تطرقوا لهذا مثل " السيد نجم " في " غرفة ضيقة بلا جدران . والكاتب السعودي " عبد العزيز مشري " في " تجربة غسيل الكلى " , والمتنبي في قصيدة " الحمى ". وغازي القصيبي عن الحمى , وأمل دنقل عن الغرفة 8 من معهد ناصرللأورام .
وقد حددالكاتب مكان الاصابة بياء الملكية , وابتعد عن التعميم الذي استخدمه الآخرون , والساق هي المنطقة مابين الركبة والقدم .
ويدور عالم الرواية مابين الألم والعلاج والعيادات , ويغلب صوت الماضي المتوج بضمير المتكلم على الأحداث . مثل : ركبت مترو الأنفاق , خرجت أبحث عنه في أكثر من صيدلية , دلفت الى غرفة الأشعة .
وقد تناول المرض تناولا خارجيا اي الأعراض , د ون رصد التحليل النفسي للمرض على المريض , بعكس المتنبي الذي تناول المشاعر الداخلية لمرضه .
وقد كشف عن تعامل المجتمع المصري مع المرضى و مستشفيات القطاع العام والعيادات – ولو أن تحمل الدولة جزء من العلاج خفف من حدة اللوم على تلك الجهات – وساقي اليمنى تنتمي للرواية السيرية – سواء قصد ذلك أم لا- حيث صدور مجموعته القصصية " نهار الحلم " , ومشاكله مع خطيبته , ومشاكل أمها القاسية ومطالبها , ثم عودة خطيبته اليه – وان كان تلك العودة كأنها ميكانيكية , وكأنه تسجيل لمذكرات أو يوميات .
وعلق الناقد شوقي بدر يوسف عن الرواية بدراسة هي " رواية ساقي اليمنى بين لذة الألم وألم اللذة " حيث تقع منطقة الخلاص , وفي احدى مرات التفاؤل يختفي الألم من الساق " عن مقابلة السارد لخطيبته " .
أما بالنسبة للعنوان , فأحيانا يشكل اختيار الكاتب العنوان لذة , تماثل الانتهاء من العمل . وهي اشكالية من اشكاليات النص , لا أحد يستطيع الافلات منها , وقد نشرت الرواية من قبل تحت اسماء أخرى منها غبار الوجع ونافذة المدى .
والنص يطرح أسئلة كثيرة منا موقع الألم من المجتمع وعلاقة المرضى بالأطباء , ووضح ذلك من أول لقاء مع طبيب العظام .
وقد برز الخيال السردي في كثير ن الأمرو حتى في تسجيل الأحداث ,وقد خلا النص من الحبكة والتوحد داخل تجربة الألم .
اما الدكتور السعيد الورقي , فقد تناول بساطة السرد وتلقائيته وتركيزه على الحكي ورأى ان الرواية فيها بطل غير البطل الذي تعودناه السلبي أو المحمل بالقيم السلبية من انسحاب وقهر وغربة ولامبالاة وهي الكثر انتشارا الآن .
وساقي اليمنى من الأعمال القليلة التي جمعت بين الراوي والحوار, حيث الحوار ل دور واضح فيما يعد شكل من الاعتراف بالآخر , بخلاف الروايات السرية الأخرى ذات الاحساس المتضخم للذات .
والكاتب متفائل في هذا النص فمعاناة المرض والألم وما فيها من قسوة , لم يفرض وجوده , بل با شاحبا بالنسبة للتفال والشفاء وفرحة صدور الكتاب , وزواجه من خيبته , أي لايوجد ألم حقيقي وانما استشراف لفرحة .
الكاتب وائل وجدي في سطور
*********
- قاص وروائي مصري .
- ليسانس الحقوق – جامعة القاهرة 1985م .
- عضو اتحاد كتاب مصر .
صدر له
- البداية - قصص- مكتب النيل للطباعة والنشر , عام 1995م.
-عبد الله السيد شرف , الذي عرفته – مركز الحضارة العربية عام 2000م.
- رائحة الأيام – قصص – اليئة المصرية العامة للكتاب , عام 2002م .
- الحنين – مختارات قصصية – سلسلة أصوات معاصرة عام 2002م.
- حمائم الكعبة – مختارات قصصية – سلسلة أصوات معاصرة عام 2002م .
- نهار الحلم – قصص – مطبوعات اتحاد كتاب مصر عام 2006م
اجزاء من رواية " ساقي اليمنى "
************
للكاتب وائل وجدي
*****
أجلس على حرف السرير ..
أتابع خيوط الصبح , تنسل من نافذة حجرتي ..
ينسحب الغبش رويدا , رويدا ..
يهل صبح جديد , عابقا بندى الأمل ..
أردد : يارب ..
لا أعرف – حقيقة – السبب وراء كثرة اصاباتي في ساقي .. مرة نزيف تحت الجلد نتيجة اصطدام شديد أسفل ركبة الساق اليمنى , ومرة أخرى قبل سفري الى الغردقة بساعات قليلة .. يختل توازني اثناء صعودي الرصيف .. تصاب قدمي اليسرى بتمزق في الأربطة , وتجبس القدم حتى أسفل الركبة لمدة أسبوعين .
العام الماضي فور وصولي " الاسكندرية " أثناء الجلوس فوق الكرسي البلاستيك بشرفة الفندق , فوجئت بارتطامه بالأرض .. كدت أسقط من الطابق السابع .. شعرت بألم شديد أسفل الفخذ الأيمن . تكرر نفس الأمر على شاطئ " المنتزة " , الألم في ذات المكان .
لم يكن ألما , انما مغصا لايحتمل في أعلى الساق اليمنى . كثير من الليالي , لم أستطع أن أنام أو أتحرك في السرير من شدة الوجع . أخذت أنواعا متعددة من المسكنات , ليهدأ الألم بضعة أيام , ثم يعود مرة أخرى .
بعد سأمي من دوائر الأدوية التي قررها لي طبيب العمل . أصبح الألم يعوقني عن المشى المعتاد لم أجد سبيلا سوى الذهاب الى طبيب تخصص في العظام لعله يعي ألامي , ويعطيني الدواء الصحيح .
تكاسلت في ممارسة الرياضة . أصبح المشي السريع هو رياضتي المفضلة . لم يكن يستطيع أن يلاحقني أحد من الأصدقاء في خطواتي حتى لوكان أخف مني وزنا . كثرة المشي أكسبتني لياقة وقوة لعضلات الساقين .
متعتي , أن أتأمل ..الطريق , الوجوه .. لا أتململ من المسافات الطويلة , لكن دوام الحال من المحال .
بعد تفاقم آلام ساقي اليمنى , لم أعد أستطيع أن أمشي كما يحلو لي .
أصبحت محروما من النشاط الذي أحبه .
حينما في العيادة , انتظر الطبيب الذي لايحضر الا في تمام التاسعة مساء .
عندما صافحني وجهه لأول مرة ., لم أرتح له .. لاتشعر من أن يتحلى بسيماء الطبيب .
طلب مني اجراء أشعة على الساق بعد أن قام بتحريك ساقي . ذكرني بمجبراتي الأفلام الأبيض والأسود .
***************************
أجد سعادة في قراءة أوراقي .. أتأملا .. أعيد صياغة القصص حتي أرضى عن تماسك بنائها , رغم أنا الجلوس على كرسي المكتب يحدث نثار الألم أن يعصر ساقي اليمنى .
أفتح الكمبيوتر.. أتصفح بريدي الأليكتروني لعلي أجد رسالة من صديق , لا أجد سوى رسائل مزعجة من مجموعة بريدية تلاحقني بمئات الرسائل , دعاية لصدور ألبوم مطرب مجهول . أتململ .. أزفر .. أغلق الكمبيوتر .. آخذ كتابا من فوق مكتبي .. احاول أن أذهب حالة السأم التي تغزوني . فجأة يرن الهاتف المحمول
, أنظر الى شاشته : رقم اتحاد الكتاب , يأتيني صوت " حسين " :
- مجموعتك القصصية ذهبت الى هيئة الكتاب ضمن جموعة من الكتب .
- معقول !
أخيرا ستصدر القصص .. الحمد لله .
- على العموم تأكد من " طه " .
- اعطني نمرة هاتفه المحمول .
اتصلت بطه :
- انتظر لحظة .. بالفعل كتابك من ضمن الكتب التي ذهبت الى هناك .
- النسخة الورقية أم أسطوانة الكمبيوتر .
- النسخة الورقية .
فتحت الكمبيوتر , مكثت أراجع قصص " نهار الحلم " . طبعت نسخة ورقية , ونسخة أخرى على أسطوانة . في الساعة العاشرة دلفت الى مكتب الموظف المختص . قمت بتسليمهما اليه , ثم طلبت منه أن تجهز للطباعة من هذه النسخة .
قال :
- لا تقلق ... في المرة القادمة سأعطيك النسخة الأخرى .
قلت :
- متي أتسلم البروفة سلأعطيك النسخة الأخرى .
قال بثغر باسم :
- كل كتاب يأخذه دور . لاتقلق , وعندما يجهز سأتصل بك .
**********************
في تمام الساعة الثامنة وصلت أمام باب شقة أسرة مها , ضغطت على جرس الباب ثوان , وجدت ما تطل على من وراء البيت بوجهها الحبيب , وبنبرة رقيقة :
- تفضل .
جلست في حجرة الصالون .. أنتظر قدوم والدتها . بعد دقايق, هلت مها تحمل بيدا وبا من النسكافيع – مشروبي المفضل تتبعها والدتها . قمت أسلم عليها عليابحرارة , وقالتك
- أهلا بك . انقعت أخبارك فجأة ... أين كنت ؟
- ظروف فقط .
- الحمد لله .
- ماذا فعلت في شقتك ؟ هل قمت بالتعديلات التي طلبتها منك .
- بالطبع قمت توسيع الشقة بالاستغناء عن حائط حجرة حجرة الصالون واعادة دهان الشقة , غيرت الأرضية وايضا سيراميك المطبخ والحمام .
- هل اشتريت النجف بالنوعية المطلوبة ؟
- نعم , تم تركيبها .
- والستائر والسجاجيد .
- الحمد لله.
- ماذا فعلت في شقتك ؟ ل قمت بالتعديلات التي طلبتها منك .
- بالطبع قمت بتوسيع الشقة بالاستغناء عن حائط ججرة الصالون واعادة دهان الشقة , غيرت الأرضية وايضا سيراميك المطبخ والحمام .
- هل اشتريت النجف بالنوعية المطلوبة ؟
- نعم , تم تركيبها .
- والستائر والسجاجيد .
- الحمد لله .
- يبقى الصالون .. هل اشتريته ؟
- انتظر حتى تشتروا الموبيليا ..
- على فكرة لن نشتري الموبيليا قبل عقد القران .
- ألا تثقين بي ؟
- هذه أصول لايضيق منها احد .
- ولكني أرى أنه تشدد وعدم ثقة .
- هذا هو تصورك .
- مها .. أراك صامتة .. ما رأيك ؟
- من وجهة نظري ,احضار الموبيليا لايرتبط بعقد القران ..
- انت حرة في رأيك لكن رلأيي هو الذي سينفذ , بصراحة أنا لست مقتنعا برأيك .
- هذا هو آخر الكلام معي .
خرجت من شقة مها أشعر أن حرارة الطقس أربعين درجة رغم اننا مازلنا في فصل الشتاء . حديث والدتها جعل الدم يفورفي راسي .. انتابتني حالة من السأم والحسرة , حتى النسمة الجميلة في حياتي ستضيع بعناد مقيت , الصداع انتشر في رأسي , لم أستطع أن أنام . جاءني رنين محمول مها .
- لا تغضب من ماما هذ طباعا .
- أنت لاحظت أنا تشددة لرجة جرحت شعوري .. انها تتعمد ذلك حتى لايتم زواجنا .
- أنا لا أستطيع أن أعيش من غيرك .
- أنت تعلمين مدى حبي لك , لكن تصميما غريب .
- سأحاول معها .. المهم ألا تنام وأنت حزين , أرجوك .
- ربنا يسهل .
**********************
أحضرت الممرضة سريرا فوقه مراتب أسفنجية ,صعدت على السرير , كشفت منطقة البطن وساقي اليمنى .
ضبط اختصاصي الأشعة الجهاز على التخطيط المرسوم – بعد اغلاق الاضاءة – ثم أعادها مرة أخرى .
خرج من الجرة ليشغل جهاز الأشعة .ز ينبعث أزيز لا يستغرق أكثر من خمسة عشر ثانية .
دخلت الممرضة تطلب ان ارتدي ملابسي .
قبل خروجي من حجرة الأشعة لمحت طفلا مع والديه ينظر وره في جلسة الاشعاع , اعتصر قلبي . فرت مني دمعة حارة .
رن الهاتف , وجدت نمرة عماد :
- مبروك .. كتابك صدر .
الحمد لله .
- اذهب الى ادارة العقود واستلم نسختك ..
دخلت ادارة العقود بهيئة الكتاب , ذكرت للموظفة المختصة اسم الكتاب "نهار الحلم " قالت:
- تفضل اجلس .
جلست لصق أحد المكاتب , اعطتني الموظفة عقدا ملأت بياناته , قمت بالتوقيع عليه .
انتظرت تسليمي العشرين نسخة الهدية , حضر عامل يحمل النسخ . تسلمت أول نسخة . أخيرا صدرت مجموعتي القصصية .. أتأمل غلافها ..صفحاتها , سكبت روحي ونفسي على الأوراق , كم كانت لحظات
المكابدة والانصار تشقيني وأذوب فيها ؟
كنت أتمنى أن تكون معي ما , تشاركني سعادتي .. لكن الدوائر اتسعت واتسعت .. بحثت عن صدى صوتها .. انفرط هنا أوهناك .. أجدني أقف على حافة السراب ..
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق