الأربعاء 9/9/2009م .
لقاء مع الأستاذ الدكتور " أحمد حسن صبرة " أستاذ الأدب العربي بكلية الآداب . حول منلاقشة رواية "متاهة الغربان" , للكاتب"أحمد حميدة ". تقديم الأديب منير عتيبة .
بدأ الدكتور صبرة بحديثه عن لحظة الابداع التي لم يدرسها النقاد بعناية في أدبنا العربي مثل الشعر , وكيفية نسج التفاصيل الصغيرة والشخصيات , والزخم في الجنس الروائي . ولحظة النصر بعد وضع العمل .
وقد دارت اسئلة وهواجس في ذهن الكتور صبره حول شخصيات العمل . حيث الشخصيات الأساسية سبع شخصيات : البحيري " تبدأ وتنتهي به الرواية " , نلة , جبر , حسنات , سعدون , زيكو , الباشا .
والعنوان" متاهة الغربان " بما يحوي من استحضارات عن طائر الغراب , وما
يعبر عن معان سلبية , مثل أسورة مشية الغراب التي قلد بها الطاووس , فأصبح في حالة من التيه لأنه لم يستطع تقليده , وكذلك يوحي الغراب بالنحس والكراهية .
والقارئ لا يستطيع أن يتعاطف مع الشخصيات , حتى جبر زوج نهلة المخدوع , بزوجته الخائنة التي تحمل سفاحا .
ومكان القصة حي محرم بك , شارع جرين . الزمان اواخر الأربعينات واوائل الستينات .
وقد استخدم الكاتب الزمن الدائري حين بدأ الأحداث من عام 2000م, ثم عاد للماضي لتلك الحقبة الزمنية بطريقة الفلاش باك , ثم الدخول داخل الفلاش باك
ليعود مرة أخرى في الفصلين الأخيرين لزمننا .
واستدارة الزمن ظاهرة لوحظ انتشارها في رواياتنا العربية .
السارد اختير له ضمير الغائب , وتقنيات الرواية كثيرة , والرواية نمطين من السرد ضمير الغائب وضمير المتكلم .
وضمير الغائب هو المهيمن والأهم . والرواية التي تسرد بضمير الغائب نتوقع منها اشياء لاتحدث في ضمير المتكلم , وان كان هناك استثناءات كثيرة , فالسرد بضمير الغائب الموجود في الرواية أو كما يسميه النقاد " السارد الاله " وبرغم ان التعبير صادم الا انا صحيحة , بغض النظر عن أي قيمة دينية , لأنه يحرك هذه الشخصيات ويعرف الى أي مدى تذهب , ورد فعلها , وكل شيئ عن الشخصيات , وهو عبء كبير على الكاتب .
وشخصيات الرواية تدين بالثلاث ديانات : حسنات وسعدون بالاسلام ,نهلة وجبر بالمسيحية , الخواجه زيكو يهودي .
والشخصيات كئيبة وسلبية , مثل حسنات التي تتجسس على جارتها ,ونهلة الجميلة التي تخون زوجها , وزوجها جبر المخدوع وزيكو الذي يقيم علاقة مع نهلة المتزوجة .
من رواية متاهة الغربان للكاتب " احمد حميدة "
*********
البحيري , بعد خمسة وربعون عاما .. ؟ .. المتألق بروح الهائمة داخل ملكوته الذاتي , بحنوه الغريب القابع في عين الخضراء , والأخرى السوداء , محمولاعلى شجو رهيف مختبئ في حنايا بدنه النحيل , الهزيل الرث ؟؟
بعد تلك الأعوام تصادف موجودا , في ميدان كبير مزدحم على الدوام , يحتضن ناسه . ميدان الود والشناعة , اللقاء والفراق , الفظاعة والفظاعة والصخب بالليل والنهار . يغير دماغك بغير ارادة ولا تحضير , ويناى بك .. يعيدك , نافضا عنك ألحفة الغبار التي تراكت سراديب الذاكرة المنهكة , لزمن متوحش تثاقل بتعبه , وبدأ ينجلي لرأس يمرمن هنا كل صباح , قاطعا الميدان خلال أعوام كثيرة توالت متطاولة حتى مجت تكرارا الروح ,ليسلب هو بصدفة مجنونة ابصارك و يسحب عليك الأسى البائد , عهد الطفولة المترسب بالأعماق توارى عن الوجه , وذاكرتك ترصده . لعله يذكرك , وأنت موقن من استحالة ذلك . كيف لرجل كهل وقف بصره الباحث عن شيئ مجهول و يحرك أعطافه أن يذكرك .. ؟ .. زمنك مواز لزمنه , عمرك يقارب عمره ..
***************
هو والميدان , والبؤرة , المنطلق منها اليه أمعاء المدينة , ملتقى كل عابر " محة مصر " كل آت من متاهات أعماقها المتطرفة الى حطات القطارات , الرابض بنيانها العتيق على قلب الميدان بساعاته العالية المعطلة أغلب الأوقات .. العابرون منها الى اطراف المدينة وضواحيها وسواحلها , الى محطة الرمل عبر شارع النبي دانيال , أو شارع صفية زغلول , والمطافئ , وقسم العطارين , وقسم الترحيلات , والمسرح الروماني , والمجلس المحلي , بلوكات النظام , المشرحة , الاستاد , هيئة البري , مسرح الشرطة , وزارة الزراعة , الحجر الصحي للحيوان , النفق أبوعين واحدة , متحف الفنون , شارع منشا – منشا وجرين -, ومبنى السنترال الكبير الى أسواق الجمعة لمخلفات البيوت و وسوق الحمام , المدرسة الطلياني , مقابر عمود لسواري , باب سدرة , وباعة الستائر والأقمشة , مديرية الأمن .. حي عمود السواري باب سدرة , وباعة الستائر والأقمشة , مديرية الأمن .. حي البنوك و ميناء البصل , شون القطن , والجمارك .. ستشفى أحمد مار شبه المعطل عن أي زائر مريض , كصندوق برتقال ضخم أصاب العطن , ربما لون محشورا و كبؤرة السوق و حول باعة حولوا حوائطه كالحة البياض الى مباول عاريةيتوجهون اليها كلما حصر البول فيفعلوا , تاركين روائح بولهم العفن تنتشر ممتزجة برائحة المخللات والرنجة ,و ... متخذين من الحوائط متكئات ليلية لاختطاف غفوات ذرة مسروقة من عمر الليل القصير , المحكوم بتوقعات مداهمات الحكومة .. حكومة تأتي .. تباغت , وتمضي , والسوق باق .. ولا يعرف تحديدا من يفرض حمايته على الآخر .. لحكومة أم الميدان المتسع , المشع ناره الجديد بأعين البائتين بنوم مراوغ , منهم البحيري .. القاعد تحت التلفاز .. يحدق في المارة .. مارة متجددين , لعل أحدم يراه .. يعرفه .. يلمح تلك العيون .. لعل امرأة وحيدة .. تمر من هنا ..
*****************
مصبغة الخواجه زيكو منعزلة بآخر زقاق طويل , وضيق , وخال من السكان .. يتفرع من شارع جرين و القائم منتصف قصر الرهبة والأحلام , والذي يبدأ أول من شارع محرم بك , وأخر بأول شارع الرصافة بميدان الدائري الفسيح , المطلة على جانب الأيمن مبرة المؤسسة .. زقاق مفول بسور مدرسة ابتدائي عال , وجانب بيت واجت على الشارع و وخلف المصبغة ارض فضاء تطل على شارع منشا ز كأن المصبغة – المتوارية عن عمد – كانت مخزنا قديما , أو جراجا , أو متطرفا و مخبوءا بأيام الحرب المنتهية قريبا .. بابا خشبي عريض , غليظ , حين تفتح ضلفتا الى الخارج يبدو مدخل المصبغة كامتداد طبيعي للزقاق , لا تجويف جانبي كزقاق آخر الثلث الأول ن الليل .. تروس دائرة , متصل بعضها ببعض , منصهرة بالحركة النشطة بين فرن نار , وطاولات كي , فرن حديدي هرمي الشكل بجوفه فحم كوك ملتهب تتراص من حول مكوات واقفة تلتصق بحيد المنصر , أحواض غسيل متجاورة بنيت من الطوب الأبيض وكلست بالأسمنت الناعم , ملصوقة بالجدران , جزء منا تطرف , للصباغة , وجزء للشطف .. تعلوا حنفيات لاتهدأ , لايكف ماؤها عن الترول .. يتحكم فيها ومحكوم بها الأسطى خميس الأعور , الغسال , الصباغ , المشاء بالفانلة واللباس في ساحات المصبغة آلاف المرات , كتلة العصب المشدودة بأوتار رأس اليقظ , واضع روحه والبدن داخل الأحواض , وفي اناء الصباغة المغلي , بتؤدة فوق ناره .. ينتقل .. يدعك البذل على منضدة الغسلبصابون سائل وفرشاة .. يلقى ماتم غسله في حوض الشطف الأول , ويرول لاناء الصباغة يقلب ما فيه بعصا , مرة ويعود , يرفع المشطوف من البذل بسرعة , يضعها في العصارة التي تدار بالكهرباء , تلف حول نفسها بسرعة فائقة , هادرة في المربع المقفل .. تقلقل سواكن الأدمغة . على خميس مراقبة دورانا بصحو عينه الواحدة , فللعصر , ايضا , وقت محسوب , على الغسال الماهر ألايتعداه , لعدم تتك الثياب .. ثلاث دقائق فقط لشفط الماء من أنسجة حشو الصدور والأكتاف , مع الحرص على عدم كرمشتها , والتي يمكن – مع الغسال الغشيم – أن يتكوم قطنها بالداخل , ويصنع نتوءا يبدو كالورم على صدر البذلة ..
******************
ظلت حسنات أسيرة شكها , والصالة تروح .. تجيئ بحجة غسل أكواب , أطباق , جوارب , والغياب المتعمد عن غسل الجوزة أكثر من مرة , وأدواتها .. واستغربت لخول جبر , آتيا من الخارج , بخطوة وئيدة شبه المتسحب , ببذلته الرمادية المخططة بخط رفيع , متدلة عليه – البذلة الوحية الخاصة بأيام الآحاد والأعياد – وقميصه النايلون متسع الياقة المفتوحة , وظهره المقوس , وخنوعه , وابتسامة السرور الهنئ,والقبل على عش الحبيب المنتظر , حاملا معه علبة فول مدمس مع قرطاس ( فلافل ) , وأرغفة خبز ساخن , بينم , قرصتا صباح أم كهية مباركة لزوجته نهلة , التي تنتظر قدوم بقلب احتمل البغض عنوة , وبهرولته الدائبة بوسط الغرفة لنسيان وجوده , وبفستان خروجها المزركش , غير آبهة بما يحمل من فطور وقرص تخصها , فقد انطبق الفم الذي كان يدندن على تجهيمة وجه شبه متعال .
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق